يبدو أن القرارات التي توصل إليها وزراء خارجية العرب في القاهرة الاسبوع الماضي بشأن الأزمة الفلسطينية لم تعجب "حماس" ولا أطراف عربية أخري، فكان من الطبيعي أن ترفض حماس ما جاء متطابقا تماما مع الجهود المصرية لبدء الحوار والتمديد للرئيس محمود عباس للاستمرار في مهماته حتي اتمام المصالحة الفلسطينية، واعادة الوحدة للشعب الذي مزقته الخلافات، بالاضافة إلي الاتفاق علي موعد لانتخابات رئاسية وتشريعية جديدة. وبدا اعتراض حماس واضحاً علي استمرارية الرئيس عباس في مهامه قائلة ان الشرعيات الفلسطينية لا تمنح من أي جهة، بل تأتي عبر صناديق الاقتراع ومن الشعب الفلسطيني، وبالخيار الديمقراطي وطبقا للقانون والدستور معتبرة ان قرارات اجتماع وزراء الخارجية العرب لم تحقق أدني طموحات الشعب الفلسطيني في فك الحصار وتوفير مستلزمات الحوار وظروف تعثر الحوار التي مازالت قائمة. ومن الطبيعي أن تري حماس ان التمديد لفترة ولاية أخري للرئيس محمود عباس هو أحد الملفات المطروحة في الحوار، بل هو ايضا قضية قانونية، وبالنسبة لحماس فإن الأصل ان تبحث عبر جلسات الحوار هذه القضية وقضايا أخري ملحة. ليس مستغربا أن يكون هذا هو موقف حماس، فهي الآن تلعب بورقة التمديد للرئيس محمود عباس، لأنها ورقة ضغط مربحة بالنسبة لمطالبه وما تراه في مصلحتها وامكانية المكاسب التي قد تحققها فيما لو قايضت موافقتها بالتمديد لعباس دون ازمات مقابل تحقيق مطالبها. وبالقدر الذي حاول فيه وزراء الخارجية العرب الخروج بقرارات يوافق عليها الجميع بشأن الفلسطينيين فإن الاجتماع الوزاري شهد سجالا عربيا حادا بين وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط ونظيره السوري وليد المعلم كان محوره ثلاث نقاط، أرادت سوريا من خلاله انتقاد الدور المصري ونهجها في موضوع المصالحة الفلسطينية وعدم دعوة حماس إلي المشاركة في الاجتماع، وإغلاق معبر رفح واتهمت سوريا مصر بالانحياز لحركة فتح ضد حركة حماس معتبرة ذلك انحيازا لن يؤدي إلي نتيجة إيجابية. وإذا كانت سوريا تريد هذا الحياد، فإن الاتهام يرد لها بنفس القدر في انحيازها لحركة حماس، فهي الحاضنة الرئيسي لقيادات الحركة في دمشق، والراعية الرئيسية لمؤتمراتهم ونشاطاتهم العديدة، والتنسيق معهم جار علي قدم وساق، لذا كان من الطبيعي إلا يعجب القاهرة هذا الهجوم، بل وصعدت من لهجتها ضد دمشق مؤكدة أن هذه الدعوة تقتضي توجيهها إلي سوريا. إن أخطر ما حدث في السجال بين الوزيرين المصري والسوري انتقاله إلي الشرعية الفلسطينية علي خلفية عدم دعوة حماس إلي المشاركة في الاجتماع الوزاري معتبراً أن تجاهل المجلس التشريعي الفلسطيني من قبل الجميع رغم أنه لا يقل عن سلطة الرئيس عباس هو أمر مرفوض. وكأن المعلم بذلك أراد أن يقول أن هناك سلطتين لابد من الاعتراف بهما، رغم أنه من الطبيعي العمل من قبل العرب علي توحيد الصف الفلسطيني بالإقرار أن للفلسطينيين سلطة واحدة ممثلة في الرئيس عباس الذي يتحدث باسمهم جميعا، فالمؤسسات التابعة للسلطة الوطنية هي المؤسسات الرسمية، لأن نفتح الباب من جديد لفرض أمر واقع بوجود سلطتين لابد من الاعتراف بهما كأمر واقع. إن الأمر الذي لا يقبل التشكيك بعد العديد من المواقف التي بدرت من حماس قبيل فشل انعقاد الحوار في القاهرة، هو رغبة الأخيرة من أن يتدخل طرف عربي آخر في الوساطة بين الفصائل الفلسطينية لإتمام المصالحة، وقد عبر عن ذلك أكثر من مسئول في حركة حماس، بل وأبدوا رغبتهم في وساطة قطر بالتحديد لنجاحها في تحقيق المصالحة اللبنانية كدليل حي علي نجاحها في هذا الشأن لكن إعلان السلطة الفلسطينية بأن مصر هي التي ستحدد الموعد الجديد لإعادة انطلاق الحوار الفلسطيني - الفلسطيني مرة أخري، ورغبتها في أن ينجح هذا الحوار استنادا للجهد المصري ليستبعد فرضية دخول قطر علي خط النار في هذا الشأن لما يحمل من حساسية، وربما يوجد المزيد من الأزمات التي هي في غني عنها، خاصة وأن الرئيس محمود عباس كان قد حدد ثلاثة شروط لنجاح الحوار وهي تشكيل حكومة بدون حماس وفتح، والتحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية، وإعادة تأهيل الأجهزة الأمنية عبر قوات عربية. لكن هذه القضايا الثلاث تثير خلافا كبيرا علي حماس التي ترفض تشكيل حكومة لا تشارك فيها، علي اعتبار أن ذلك يعد استبعادا لها من الساحة السياسية، كما ترفض إجراء انتخابات تشريعية مبكرة قبل انتهاء فترة المجلس التشريعي، وترفض إدخال قوات عربية إلي غزة، وتطالب بالإفراج عن المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية الذين تقول السلطة إنهم محتجزون لديها بتهم المتاجرة بالسلاح وتبييض الأموال. إن الأمر الوحيد الذي لابد أن يؤخذ في الحسبان، وسط هذه الفجوة الكبيرة والتناقض الحاد بين الحركتين فتح وحماس، هو التأكيد علي أهمية تحقيق الاستقرار في الموقف الفلسطيني في ضوء ما يعانيه أهالي سكان قطاع غزة من حصار وتجويع وأمراض وكوارث صحية وبيئية أهلتهم باقتدار للإعلان بأن منطقة سكناهم "قطاع غزة" منطقة منكوبة، فهل يستمع الفرقاء لصوت العقل والضمير لإنهاء هذه الكارثة؟!.