تحقيق مني البديوي شيماء عثمان: عند وقوع أي أزمة تتحول الحكومة المصرية إلي تلميذ فاشل فوجئ بنفسه داخل لجنة الامتحان! حدث هذا بالفعل في أزمات كثيرة منها إنفلونزا الطيور وحوادث القطارات وكارثة العبارة وحريق مجلس الشوري وأخيرا الأزمة المالية العالمية. وكشفت تلك الأزمات عن افتقاد مصر لأي قدرة علي التنبؤ بالأزمات وعجزها عن التعامل الفوري مع أية أزمة واتخاذ الإجراءات المناسبة لمواجهتها. ورغم الأصوات الكثيرة التي تطالب بوجود جهاز قادر علي التنبؤ بالأزمات قبل وقوعها إلا أننا لا نملك حتي الآن إدارة قادرة علي أداء هذا المهمة بشكل علمي سليم. "العالم اليوم" تناقش هذه القضية الخطيرة في التحقيق التالي: د. صلاح الدسوقي رئيس المركز العربي للإدارة والتنمية يوضح أن أهم عنصر يجب أن يتوافر في الإدارة الجيدة للأزمات هو النجاح في التنبؤ بالكارثة أو المشكلة ومن ثم تقديم إنذار مبكر بحدوث الأزمة قبل وقوعها الأمر الذي يسمح بإدارتها بشكل جيد سواء بمنع حدوثها أو تقليص حجم الآثار الضارة في حال وقوعها. ويشير إلي أن الأزمة تأتي بشكل مفاجئ وبالتالي فإن عدم وجود إنذار مبكر يؤدي إلي شلل في التفكير وصعوبة في اتخاذ قرار سريع لمواجهتها. وجهاز الإنذار المبكر يعني ضرورة وجود نظام معلومات يسمح برصد التغيرات وتحليلها بشكل علمي ومن ثم إعطاء مؤشرات عن احتمال حدوث الأزمة فعلي سبيل المثال الأزمة المالية الحالية أزمة عالمية ولكن من الواضح أن قدرة مصر علي التنبؤ بآثارها علي الاقتصاد المصري ضعيفة حتي ان المسئولين في البداية نفوا وجود أي تأثير لها علي مصر وهو الأمر الذي يعني تأخراً في اتخاذ القرارات الملائمة لمواجهة تلك الأزمة ومن ثم حدوث آثار لا يمكن علاجها بشكل فعال. ويضيف الدسوقي أننا بحاجة ماسة لنظام معلومات يستطيع الرصد والتحليل ومن ثم وضع السيناريوهات والبدائل اللازمة للتعامل مع الأزمة. كما يشير إلي أن المشكلة لدينا التي تزيد من تداعيات تلك الأزمات أن الخطاب الحكومي لدينا تعود دائما علي تهدئة الأمور وإطلاق التصريحات التي تؤكد أن كل شيء تمام ولا توجد أي مشكلات. فالنظام البيروقراطي في مصر يجعل الرؤساء يميلون لتلقي تقارير إيجابية عن الوضع وتلك هي المشكلة ففكر إدارة الأزمات غير متواجد والقائم حاليا هو الإدارة بالأزمات وليس إدارة الأزمات. ولذلك فإننا نشهد أزمة تلو الأخري وبالتالي سوف نستمر في هذا الوضع المتأزم مادام أن الحكومة تكتفي بالتعامل مع المشاكل بعد وقوعها ولا تسعي لتقليل إمكانية وقوعها وعن المطلوب لتصحيح تلك الأوضاع يؤكد الدسوقي أننا نحتاج أولا لتغيير فكر القيادات القائمة بحيث يكون لدينا قيادات قادرة ومؤهلة لإدارة الاقتصاد القومي. وبعد ذلك اتخاذ الآليات والخطوات اللازمة لإنشاء جهاز متخصص للتنبؤ بالأزمات وإدارتها. علم ومناهج ويؤكد د. محمد عبدالباقي رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية أن إدارة الأزمات تعتبر علي المستوي العالمي علم يدرس في الجامعات وله مناهجه العلمية ومراجعه الخاصة أما في مصر فنحن نفتقد وجود علم إدارة الأزمات فهو لا يدرس في التعليم الجامعي أو بعد الجامعي وإذا نظرنا إلي الأجهزة المعنية بإدارة الأزمات في الدولة فسنجد مركزا يتبع وزارة الدفاع وهناك أيضا مراكز أخري تتبع مديريات الأمن بالإضافة إلي الخاصة بأجهزة الحكم المحلي علي مستوي محافظات الجمهورية وبعض المراكز الخاصة مثل المركز الموجود بكلية التجارة بجامعة عين شمس. ولكن المشكلة تكمن في عدم وجود أدني تنسيق بين تلك الجهات مجتمعة وحين تحدث أي كارثة لا يمكننا تحديد الجهة المسئولة عن التعامل مع الكوارث وإدارة شئون الأزمة. لذلك فمن الواجب أن تكون هناك إدارة علي مستوي مجلس الوزراء تختص بإدارة الأزمات بعد تعريف ما هي الأزمات؟ وأن توضع تحت تصرفها إمكانات الدولة وسلطات أجهزتها. ويضيف عبدالباقي أن الأزمات والكوارث تتنوع بين كوارث طبيعية مثل الزلازل والفيضانات وانهيارات التربة وغير ذلك وأزمات سياسية ناتجة عن اتخاذ قرارات سياسية لها انعكاس سلبي علي المجتمع وهناك أيضا الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. لذلك فمن الواجب وضع السيناريوهات المختلفة للأزمات المتوقعة مع دراسة وتحليل الإجراءات الواجب اتخاذها ومن الذي سيقوم بتلك الإجراءات وفي أي توقيت وبالتنسيق مع من وهو الأمر الذي لن يتأتي إلا من خلال وجود قاعدة للبيانات تتطور مع الزمن مسجل عليها الإمكانات البشرية والمعدات والأجهزة التي يمكن الاستعانة بها في الأزمات وتوزيعها الجغرافي علي مستوي الجمهورية مع تحديد آليات الاتصال والتحكم بتلك الموارد حتي يسهل تحريكها والسيطرة عليها وإدارتها أثناء الأزمات وهذه القاعدة المعلوماتية يجب أن تكون متصلة بالأقمار الصناعية للحصول علي صور حديثة لمواقع الأزمات حتي يمكن تقدير حجم الكوارث ونطاق تأثيرها ومن ثم استغلال الموارد المتاحة للسيطرة علي تلك الكوارث.