الاقتصاد العالمي يتباطأ وكثير من البلدان اما انتابها الركود بالفعل وإما أصبحت علي وشك الدخول فيه ولذلك فإن المستثمرين -كما تقول مجلة "الايكونوميست"- يشعرون بالقلق لأن الانكماش في النشاط التجاري سيضرب بقوة أرباح الشركات.. ولكن السؤال هو: إلي أي مدي سيكون تأثير ذلك؟ وإلي أي حد انعكس بالفعل علي أسعار الأسهم؟ والمسألة بالغة الأهمية؛ لأن الأرباح كانت شديدة القوة في السنوات الأخيرة.. فبعد ان هبطت أرباح الشركات بحدة في الفترة 2000 - 2002 عادت الي الارتفاع بسرعة في الفترة بين 2003 و2006 والواقع ان ارباح الشركات الأمريكية منسوبة الي اجمالي الناتج المحلي قد وصلت آنذاك الي أعلي مستوياتها علي نحو لم يحدث خلال جيل كامل، وتتوقف الأمور الآن علي معرفة ما إذا كان هذا الازدهار مجرد نبتة سريعة الذبول أم ماذا؟ لقد بدأت الشركات الأمريكية تعلن أرباح الفصل الثالث من العام الحالي "يولية - سبتمبر" ويبدو ان هذا هو خامس فصل علي التوالي تتراجع فيه أرباح هذه الشركات وفي حالة الركود فإن الارباح تتجه الي السقوط بسرعة وذلك بسبب اعتماد الشركات في انشطتها علي بعضها البعض ونحن نعرف ان كثيرا من الشركات لديها تكاليف ثابتة عالية ولا يمكن حساب الارباح إلا بعد تغطية هذه التكاليف وعندما ينكمش الاقتصاد تقل الايرادات وتحاول الشركات خفض تكاليفها الثابتة عن طريق اغلاق المصانع والاستغناء عن العمال، ولذلك تتأثر الارباح بشدة. ومع ذلك وعلي الرغم من الانكماش الحادث فإن المحللين راغبون عن خفض توقعاتهم بشأن مكاسب الشركات كل في مجال اختصاصه.. ويلاحظ بريان بلسكي المحلل في ميريل لينش انه باستثناء شركات الخدمات المالية من بنوك وخلافه فإن محصلة التوقعات تشير إلي أن النمو في ارباح الشركات الأمريكية خلال الربع الثالث من العام الحالي سيصل الي 3.9% سنويا والأهم من ذلك ان الأرباح المتوقعة في عام 2009 ستزيد بنسبة 8.11%، وهذه توقعات يبدو انها غير قابلة للحدوث لأن الانكماش الاقتصادي سيكون حادا. ومن البادي أولا ان التباطؤ قد انتشر في الاقتصادات المتقدمة وأثر أيضا في الأسواق الناشئة.. والشركات التي كانت تعتمد علي نمو الصادرات في تعويض بطء اسواقها المحلية بدأت تعاني بالفعل، ومن ناحية ثانية فإن أزمة الائتمان ستضيف مزيدا من الكوابح حيث ستزيد من تكاليف التمويل وتكاليف خدمة ديون الشركات.. يضاف الي ذلك عامل ثالث وهو ان انخفاض اسعار المواد الخام بما فيها البترول سيضرب شركات الطاقة التي كانت اكبر مسهم في نمو ارباح الشركات الأمريكية هذا العام. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان الاستراتيجيين الذين ينظرون من أعلي إلي المشهد الاقتصادي الراهن اكثر تشاؤما من هؤلاء المحللين.. وعلي سبيل المثال فإن ايان هارنيت الخبير الاستراتيجي في شركة الاستشارات أبسوليوت ستراتيجي ريسيرش يري ان الشركات الأوروبية غير المالية سوف تفقد 30% من هوامشها وان ذلك سيعني انخفاض ارباحها بنسبة 50% خلال فترة الهبوط الحالية كذلك فإن الخبراء الاستراتيجيين في مورجان ستانلي يتوقعون هبوط أرباح الشركات الأمريكية بنسبة 10% خلال العام القادم والسؤال هو: كيف سينعكس ذلك علي أسعار الاسهم في البورصات؟ الحقيقة ان الاجابة تختلف من بلد إلي بلد فهذا هو جيمس مونتيه الخبير الاستراتيجي في سوسيتيه جنرال يري انه علي الرغم من التفاؤل الاحمق الذي يبديه بعض المحللين ان وول ستريت في مجملها ستشهد تراجع الارباح في العام القادم بنسبة 20%.. ومن جانبها تقول كارين اولناي خبيرة ميريل لينش ان الاسهم الاوروبية تتداول أقل من التقييمات العادية بنسبة 38% في حين ان متوسط الهبوط في الارباح خلال الركودات الاربعة السابقة كان 34% فقط ويري خبراء مورجان ستانلي ان نسبة الارباح لكل سهم في الأسواق الناشئة هبطت 50% ورغم ان هذا قد يكون افراطا في التشاؤم فان علينا ان نتذكر ان نسبة الهبوط خلال الازمة الآسيوية 1997- 1998 كانت 67% بالتمام والكمال. وعموما، فإن المستثمرين لا تعنيهم نسب الهبوط فحسب بل تعنيهم ايضا سرعة ومدي التعافي الذي يمكن ان يحدث.. إلي متي وإلي أي درجة وبأي سرعة سيحدث الشفاء من الوعكة الراهنة؟ وما يجب ان يدركه المستثمرون هو ان مكتسبات العولمة وآثار الائتمان الرخيص قد لا تتكرر وان الشفاء قد يتأخر بل واكثر من ذلك فإن كثيرا من الشركات قد تتعرض للإفلاس حيث يري فيليب ايشروود الخبير الاستراتيجي في درسدنر كلاينوورت ان ثلث الشركات الاوروبية معرضة للافلاس.. وباختصار، فإن الركود يكشف ما يحاول المحاسبون والمراجعون ستره من نقاط الضعف في الشركات.