حتي أيام قليلة مضت كان صندوق النقد الدولي غائبا عن الأزمة المالية العالمية وكان قادة الصندوق يكتفون بإبداء شعورهم بالارتباك بدلاً من أن يناقشوا خطط انقاذ للبلدان المنكوبة لقد كان معظم وقت صندوق النقد الدولي كما تقول مجلة "الايكونوميست" منصرف إلي مناقشة المكافأة الضخمة التي حصلت عليها عشيقة سابقة لمديره العام دومينيك شتراوس خان. أما الآن وبعد أن راحت الأزمة المالية تنتشر في دولة بعد الأخري فإن الصندوق أصبح مدعوا لممارسة مهامة كاطفائي للحرائق وإرسال الفرق إلي مختلف الدول مثل أيسلندا وباكستان. وقد أعلن الصندوق بالفعل خطة انقاذ لأيسلندا تتكلف 6 مليارات دولار يدفع منها مليارا من أرصدته وتدفع الباقي دول الشمال واليابان وربما روسيا أما باكستان فينتظر أن تحصل علي 10 مليارات دولار مقسمة علي عامين كما أنه من المتوقع أن تحصل أوكرانيا علي اتفاق قيمته 14 مليار دولار وهناك دول أخري طلبت من الصندوق مساعدتها وأهمها روسياالبيضاء. وبلغاريا، والمجر، ولاتفيا، ورومانيا، وصربيا. ومن المهم أن نعرف أن الأزمات التي تجتاج هذه الدول لها أسباب متنوعة وعلي سبيل المثال فإن بلدان شرق أوروبا تشكو للصندوق من أزمة سببها الاعتماد المفرط علي التحويل الخارجي والبنوك الأجنبية أما باكستان فإنها تشكو من تآكل رصيد احتياطياتها بالنقد الأجنبي وتحويلات العاملين في الخارج وجفاف الاستثمارات الأجنبية أما اضطرابات ايسلندا فقد بدأت بسبب سوء أحوال جهازها المصرفي. ولا شك أن صندوق النقد الدولي هو أفضل جهة للتعامل مع مثل هذه الأزمات ولدي الصندوق موارد قابلة للاستخدام حجمها 255 مليار دولار إلي جانب قدرته علي أخذ أموال من الدول التي لا تفضل العمل بمفردها مثل اليابان ودول الشمال في حالة الضمان الأيسلندية، والمؤكد أن الاعتماد علي الصندوق أفضل للدول التي تعاني من الأزمات لأنه يعرف كيف يتعامل مع الاغنياء للحصول علي أموالهم فنحن نعرف 1- باكستان في البداية طلبت حقنا عاجلاً من الصين تتراوح قيمته بين 2-4 مليارات دولار وأن أيسلندا حاولت عقد صفقة مع روسيا ولكن فشل المحاولتين دفع كل من باكستان وايسلندا إلي اللجوء للصندوق. وتقول مجلة "الأيكونوميست" إن الدول أحيانا تنظر إلي ضخامة صندوق النقد الدولي باعتبارها وصمة عار ولكن التأخر في طلبها علي أية حال قد يكلف الدول ضياع وقت ثمين.. ومن ناحية أخري فإن بعض الدول تخشي أن يفرض عليها صندوق النقد الدولي أجندة قاسية للإصلاح وعموما فإن منتقدي الصندوق يرون أنه يبالغ في شروطه علي الرغم من أن الأحوال في باكستان وأوكرانيا تستوجب مثل هذه المبالغة في الشروط. ومع ذلك فإن الصندوق مطالب بأن يكون أكثر مرونة وهو بالفعل أصبح كذلك في السنوات الأخيرة فهو الآن لا يميل إلي فرض روشتات مسبقة علي الدول إلا إذا كانت ذلك ضروريا لنجاح برامج الإصلاح. ومن الواضح أن محادثات الصندوق مع ايسلندا قد خلت من أية شروط عقابية وهذا سيحسن صورة الصندوق الذي يتهم كثيرا بالتشدد. ورغم ذلك فإن الشكوك لا تزال تحيط بقدرة صندوق النقد الدولي علي التعامل مع الأزمة المالية العالمية في شمولها فهو حتي الآن يقرض الدول علي أساس أدواته وخططه التقليدية المصممة لمواجهة المشاكل القصيرة الأجل لميزان المدفوعات وليس بالضرورة نقص السيولة فأدوات الصندوق تعالج نقص السيولة القصيرة الأجل مثل الصفقات التي تعقد الآن بين البنوك المركزية اضف إلي ذلك أن الصندوق قد بدأ العلاج متأخرا وأنه يحتاج إلي التحرك بسرعة أكبر وأن يستخدم الأدوات الصحيحة وأن يقترح السياسات الملائمة لكل بلد علي حدة من أجل علاج وضعها الاقتصادي المتأزم ويبدو أن هذا سيصبح ممكنا بعد أن قرر الصندوق براءة مديره العام من التلاعب بأموال لصالح عشيقته السابقة التي أقرت أيضا بأن العلاقة بينهما كانت برضا الطرفين.