رغم أن أفراد بعثات صندوق النقد الدولي ينزلون دائما في أفخم الفنادق فإن مكاتبهم في مقر الصندوق بواشنطن تحتاج إلي من يجدد أثاثها.. وهذه مجرد علامة واحدة علي الأزمة المالية الشديدة التي يمر بها صندوق النقد الدولي.. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن الصندوق سيتعين عليه هذا العام 2007 أن يجمد موازنته الخاصة بالأجور والسفريات والنفقات الإدارية الأخري بحيث لا تتجاوز 980 مليون دولار، ويتوقع أن يواجه الصندوق عجزا في موازنته في عام 2010 يصل إلي 370 مليون دولار سنويا.. وقد استشعر مديره العام رودريجو دي راتو هذه الأزمة وشكل في مايو الماضي لجنة تضم ثمانية من الرجال البارزين برئاسة أندرو كروكيت الرئيس السابق لبنك التسويات الدولية من أجل اقتراح سبل معالجة العجز في موازنة صندوق النقد الدولي وقدمت اللجنة اقتراحاتها في هذا الشأن يوم 31 يناير الماضي. ويقول كروكيت في تقريره إن صندوق النقد الدولي كان يعمل بشكل جيد عندما كان الاقتصاد العالمي يعمل علي نحو سيئ.. وفي الفترة العاصفة الممتدة من عام 1994 حتي عام 2002 كان الصندوق يستخدم حصص العملة الصعبة التي يقدمها له أعضاؤه الكبار من أجل تقديم قروض ضخمة للدول ذات الاقتصادات المضطربة، ولأنه كان يأخذ من المدينين أكثر مما يدفعه لدائنيه فقد كان يتوسع توسعا كبيرا في عملياته ويجني من وراء ذلك بعض الفوائض.. كذلك يقول التقرير إن عدد موظفي الصندوق زاد من 1488 موظفا عام 1997 ليصبح 1999 موظفا في عام 2005 وخلال نفس الفترة زادت مصاريفه الإدارية بأكثر من الضعف. ولكن عوائد الصندوق من فروق أسعار الفائدة بدأت تجف بعد أن عزفت الدول عن الحصول علي ما يقدمه من قروض.. فالأسواق الناشئة لا تعول علي صندوق النقد الدولي حاليا في توفير ما تحتاجه من نقد أجنبي وإنما تعتمد علي ما لديها من احتياطيات خاصة بها.. بل إن بعض الدول مثل البرازيل والأرجنتين وأندونيسيا سارعت بسداد ما عليها من ديون للصندوق لتخلص نفسها من قيوده ولم يعد هناك الاَن مدينون بارزون لصندوق النقد الدولي سوي تركيا. وأمام هذه المعطيات اقترحت لجنة كروكيت ثلاث طرق لزيادة إيرادات الصندوق وأولي هذه الطرق هي أن يحسن الصندوق استثمار احتياطياته النقدية البالغ حجمها 9 مليارات دولار وأن استثمار هذه الاحتياطيات بطرق مبتكرة كفيل بأن يدر عليه نحو 45 مليون دولار سنويا.. والطريقة الثانية هي ألا ينتظر الصندوق حدوث أزمة أو حتي أزمات لكي يطلب من الدول الأعضاء تقديم قروضها الميسرة له بل عليه أن يطلب هذه القروض ثم يعيد استثمارها في أصول اَمنة من الأوراق المالية ويحصد جزءا من عوائدها لحسابه وإذا تصورنا قدرة الصندوق علي استثمار 30 مليار دولار من حصصه فإنها ستدر عليه عائدا سنويا يصل إلي 300 مليون دولار. وتبقي الطريقة الثالثة والمثيرة للجدل وهي التصرف فيما لديه من احتياطيات من الذهب.. فالصندوق يرقد منذ سنوات علي 3217 طنا من السبائك الذهبية وهي ثالث أكبر احتياطيات رسمية من الذهب علي مستوي العالم. وهنا يقترح كروكيت في تقرير أن يبيع الصندوق نحو 400 طن من الذهب قيمتها التقديرية نحو 6.6 مليار دولار.. وبيع مثل هذه الكمية لن يحدث أي اضطراب في سوق الذهب خصوصا إذا وافقت البنوك المركزية علي خفض مبيعاتها من السبائك الذهبية لإتاحة الفرصة أمام الصندوق لتنفيذ عمليته بهدوء.. ويمكن تحويل هذه المبالغ إلي وقف يتعيش الصندوق من عائده الذي يتوقع أن يبلغ 195 مليون دولار سنويا. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن الصندوق لا يمكنه بيع هذه الحصة من ذهبه إلا بموافقة 85% من أصوات الدول الأعضاء في مجلس إدارته ولذلك فإن أمريكا يمكنها الاعتراض علي مثل هذا القرار، كما أن الكونجرس الأمريكي لن يتعاطف معه.. فالحكومات أعطت الذهب لصندوق النقد الدولي من أجل دعم قروضه لا لدفع مرتبات موظفيه، وإذا كان الصندوق لم يعد بحاجة إلي هذه السبائك فعليه أن يعيدها إلي الحكومات.. وإذا كان يريد وقفا فعليه أن يطلبه بشكل مباشر كهبة من الدول الأعضاء فيه. لقد أصبح صندوق النقد الدولي يقف في مفترق طرق بين ما كان عليه في الماضي وما سوف يتعين أن يكون عليه في المستقبل.. فإذا كان زبائنه من الأسواق الناشئة قد قل عددهم أو لم يعودوا يثقون به فإن علي الصندوق إما أن يغلق أبوابه أو يبحث لنفسه عن دور جديد، والحقيقة أن دي راتو لديه رؤية في هذا الشأن تقتضي أن يتحول الصندوق إلي منتدي نقدي دولي للمساعدة في حل الاختلالات الدولية والتنبيه إلي أسعار الصرف غير الحقيقية من خلال خبرائه أما باقي ما لديه من جيش الموظفين فمن الطبيعي أن يتخلص منه في إطار هذه العملية.