في الثامن عشر من أغسطس الحالي خرج "مشرف" عاريا من السلطة بعد أن اضطر إلي تقديم استقالته قبل أن تقدم الحكومة الائتلافية علي أول إجراء لعزله عن الرئاسة في سابقة هي الأولي من نوعها في تاريخ باكستان. رحل مشرف غير مأسوف عليه في باكستان. كرهه الإصلاحيون والمتطرفون الدينيون علي حد سواء. انقلابه علي فواز شريف والإطاحة به في 1999 تسبب في طرد باكستان من رابطة دول الكومنولت وفرض عقوبات عليها. ولكن مالبث "مشرف" بسبب ديكتاتوريته أن بات داعما لبوش في حربه ضد أفغانستان ومحاولته القضاء علي القاعدة. * مغامرات خاسرة ظهر "مشرف" كسياسي أحمق بدد الكثير من المكاسب التي كان من الممكن له أن يحرزها لو لم يتبع أمريكا. أضاع مكاسبه باتباعه لبوش. بمشاركته في حربه ضد الارهاب عكست حماقته فكان أن سقط بعد تسع سنوات أمضاها في وحل سياسته ومغامراته الخاسرة. ولم ينتبه لمواطن الزلل. لم ير أمامه إلا إرضاء بوش ومجموعة المحافظين الجدد ومن ثم الدفع صوب سياستهم ودافع عنها وهي التي ضيعته وحولته إلي تابع لأمريكا فيما أسمته بالحرب ضد الارهاب. *لماذ أجبر علي الاستقالة؟ تخلي "مشرف" عن السلطة أخيرا وهي التي لم ير معها إلا الصولجان والعزة والأبهة والحليف الأمريكي الذي أغراه بالمضي علي الطريق متجبرا لا يلوي علي شيء. أما اليوم فالقياس مع الفارق. خطيئة "مشرف" أنه انساق وراء بوش الذي أقنعه بعدالة حربه ضد الارهاب في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر 2001 وأنها حرب مهمة بالنسبة لأمريكا. هذا بالإضافة إلي أن قرارات مشرف بتعطيل بعض مواد الدستور وفرضه الأحكام العرفية وشنه حملة علي الإعلام وانقضاضه علي القضاء المستقل واعتقال المئات من النشطاء السياسيين في مسعي لترتيب انتخابات تدعمه هو الذي عصف به، فالشعب رفض "مشرف" في الانتخابات الأخيرة التي جرت في فبراير الماضي وفقد "مشرف" بالتبعية دعم البرلمان والجيش والقضاء والرأي العام فكان أن أجبر علي الاستقالة. * مبدأ التخلي عن الحلفاء....! ولم تحرك أمريكا ساكنا دفاعا عن الرجل الذي انصاع لها. قالت إن الأمر مسألة داخلية متروكة للمؤسسات الدستورية للبت فيها.. لم تحاول أن تتدخل لإبقائه في موقعه. ولا غرابة فهذا ديدن أمريكا التخلي عن الحلفاء بعد أن تستنفد الغرض منهم. رحل "مشرف" وترك وراءه باكستان تعيش مرحلة قلق وعدم استقرار وعنف، فطالبان تمر بمرحلة نمو متسارع إلي حد باتت معه تسيطر علي مناطق كاملة في البلاد مثل الاقاليم الحدودية الموازية لأفغانستان، والاشتباكات تستمر بين الجيش وعناصر حركة تنفيذ الشريعة المحمدية التابعة لطالبان باكستان. * وماذا بعد الرحيل؟ رحل مشرف وأصبح تاريخا.. والآن ماذا بعد الرحيل؟ الائتلاف الحاكم يواجه خطر الانهيار للتباين بين الحزبين "الرابطة الإسلامية"، حزب الشعب - حول انتخاب رئيس جديد في باكستان في السادس من الشهر القادم. ويظل التباين بين الحزبين معوقا إلي حد ما في حسم الموقف، فعلي حين يري حزب الرابطة الإسلامية (نواز شريف) أن الأولوية تتمثل في الإفراج عن 63 قاضيا - كان مشرف قد عزلهم في نوفمبر الماضي - علي أساس الإفراج عنهم يعد أمرا دستوريا يهم الأمة. فإن حزب الشعب - أصف زرداري - لا يري ذلك ويري أن الأولوية لانتخاب رئيس الجمهورية ومن ثم لابد من الاتفاق علي وضع لاسيما أن باكستان تعاني كثيرا في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية. *الطريق إلي الانقاذ الوضع الاقتصادي منهار في باكستان. التضخم فاقت نسبته 25% ومن ثم لابد من الاتفاق بين الحزبين انقاذا للدولة. يتعين علي التحالف الحاكم بعد فوزه في الانتخابات العامة في فبراير الماضي وبعد أن تم اسقاط "مشرف" أن يبقي علي التحالف متماسكا من أجل اختيار رئيس جديد للجمهوية. ويتعين عليه أيضا أن ينأي بنفسه بعيدا عن أمريكا التي لا تلقي بالا إلا بمصالحها ولا يعنيها مصالح الآخر حتي لو كان حليفا.. ويجب أن تأخذ باكستان حذرها من إدارة بوش التي كانت تسعي العام الماضي إلي تنفيذ مخطط يهدف إلي تسليح قبائل باكستانية لمواجهة طالبان والقاعدة علي غرار ما حدث في تجربة مجالس الصحوة بالعراق وهي تجربة مثيرة في نظر العسكرية الأمريكية ولكن لابد ان تكون مقلقة لباكستان. * علام فشلت تجربة الصحوة؟ ولاشك ان تجربة مجالس الصحوة في العراق تظل نموذجا يصعب استنساخه باكستانيا بسب تقاليد مناطق القبائل حيث يتعذر علي اي قبيلة ان تنقلب علي الأخري. وبالتالي لن تنجح التجربة اذا ما جري تطبيقها في باكستان لانها ستوجد وضعا خطير قد يقود إلي الحرب الأهلية حيث سيتحول زعماء الحرب إلي ميليشيات وبالتالي تتعمق الانقسامات داخل القبائل. ولا يمكن هنا القياس علي تجربة الصحوة في العراق، فالوضع مختلف كليه لعدة اسباب لعل اهمها ان الجيش في العراق لايزال عاجزا عن القيام بالدور المناط بها بعد أن تم حله. كما انه كان من السهل في العراق رشوة جماعات الصحوة التي غرقت في احضان الاحتلال. اما باكستان فالوضع مغاير، فهناك جيش قوي وحرس حدود ووزارة داخلية وبالتالي من الصعب تطبيق تجربة مجالس الصحوة العراقية علي باكستان. * مغامرة خطرة وللانصاف نقول إن ادارة بوش فكرت بالفعل في تنفيذ تجربة مجالس الصحوة في باكستان. بيد انها فشلت وعندئذ مارس الكونجرس ضغطا لتأمين الطريق لتغيير"برويز مشرف" بصورة سلمية خاصة بعد ان وجدت الادارة الامريكية أن الاموال التي ساعدت بها باكستان قد استخدامها مشرف لشراء الولاء له داخل الجيش، ومن ثم جرت محاولة لإعطاء البنتاجون دورا مباشرا للتعامل مع القبائل. غير ان هذ الأسلوب فشل ايضا لتعذر الوصول إلي القبائل واقناعها بمقاتلة طالبان والقاعدة. هذا بالإضافة إلي ان تطبيقه كان سيعني التدخل الامريكي في الشئون الداخلية لباكستان بما يمثل انتهاكا كبيرا لسيادتها، فضلا عن انه سيوجد مشاكل كثيرة ومن شأنه ان يجعل الأمور أكثر تعقيدا وصعوبة لا سيما انه يمثل تجاوزا للجيش والحكومة معا الأمر الذي سيكون له ردة فعل داخل المؤسسة العسكرية ضد أمريكا. وعليه بدا انها مغامرة خطرة ومهددة بالفشل من أولها إلي آخرها. * باكستان والزحف نحو المجهول واليوم نتساءل ماذا عن الوضع في باكستان؟ هناك قلق لدي البعض ان باكستان تزحف نحو المجهول..بل ان الفوضي قد تكون مرشحة لتصبح هي البديل وقد يحدث انقلاب عسكري جديد، فكل البدائل متاحة ولكن باكستان ستغرق حتما في أتون فوضي سياسية عارمة اذا لم يحسم الائتلاف الحاكم أمره وتتوحد رؤي الحزبين، وعامة يظل حزب الرابطة الاسلامية الباكستانية "نواز شريف" الحزب الافضل تنظيما والاقدر علي التركيز علي القضايا الحقيقية وليس علي الشعارات..