لم يمض شهران علي قرارات الحكومة برفع أسعار المواد البترولية والمواد الخام، والتي كانت لها انعكاساتها الصادمة علي أكثر من قطاع استثماري.. إلا وفاجأتنا بصدمة جديدة، وضربة قاصمة ستكون لها تداعياتها وعواقبها غير السارة وهي فرض 10% ضرائب عقارية علي كل المناطق الصناعية. ربما تكشف سلسلة هذه القرارات عن مدي التناقض والعشوائية، بل وزيادة الفجوة في الثقة بينها وأبناء هذا الوطني، وليؤكد كل ذلك أن الوعود بتنمية الصعيد، وتوطين المستثمرين هناك، مقابل تذليل العقبات، وتسهيل الإجراءات مجرد سراب ليس له أي وجود علي أرض الواقع، وأن الجنوب لايزال بعيدا تماما عن بؤرة الاهتمام، مهما كانت التصريحات. المراقب مازال يتذكر الأمس القريب حينما شمرت وزارة الاستثمار عن ساعدها، وراحت ترسم خطة لتنمية الجنوب ومناطقه الاستثمارية، التي ظلت عقودا طويلة، تغرق في بئر الحرمان.. بل أحكمت ذلك بسلسلة من المؤتمرات، وأفردت خلالها الحديث عن الصعيد، وتنمية الاستثمار، وأنه حان الوقت، لكي يحصل علي حقه، وكان أولي هذه الخطوات إنشاء شركة لتنمية الصعيد، ليدخل معها المستثمرون دائرة أحلام تحقيق نهضة استثمارية، وأن كل المشاكل المزمنة التي ظلت تحيط برقابهم عقودا طويلة آن أوانها للقضاء عليها. ولكن مع مرور الوقت أكدت تصرفات وقرارات الحكومة العشوائية، أن الكابوس في الجنوب مستمر، رغم تعهدات السلطات السيادية بإحداث تنمية ملموسة للمستثمرين في الجنوب. فماذا حدث عندما قامت الحكومة برفع أسعار المواد البترولية، وهي تعي تماما أن ذلك سيدفع العديد من المصانع إلي التوقف عن العمل، بل والغلق، وبالتالي تشريد العشرات من العمال، خاصة إذا ما عرفنا أن عملية النقل هي أم المشاكل التي تعرقل الاستثمار في الصعيد نظرا لبعد المسافة عن مناطق التسويق والتوزيع.. وهو ما حدث بالفعل، إلا أنها لم تتراجع، وحققت ما أرادت. وقبل أن ينسي المستثمرون في هذه المناطق جريمة الحكومة في حقهم، كانت الصدمة الجديدة علي يد الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية بفرض ضريبة عقارية بنسبة 10% علي المناطق الصناعية ليترك عملية الحصر والتقدير لمديريات الضرائب بهذه المحافظات لتحدد الضريبة طبقا لأسعار الأيام الحالية. بلاشك كانت الصدمة شديدة علي جميع المستثمرين والذين وصفوا القرار بالكارثة، ومخالف لقانون الاستثمار رقم 8 لسنة 97 الخاص بالمناطق الصناعية والاستثمارية بالجنوب، وإعفائها ضريبيا. جريمة كاملة "ما يحدث جريمة مكتملة الأركان في حق الصعيد" بهذا بدأ سيد رسلان عضو جمعية مستثمري محافظة أسيوط، معلقا علي قرارات وزارة المالية بفرض ضرائب عقارية بنسبة 10% علي المناطق الصناعية والاستثمارية. وقال: "إن القانون رقم 8 لسنة 97 الخاص بالاستثمار يشير إلي أن المستثمر في الصعيد يتمتع بجميع الاعفاءات الضريبية، بالإضافة إلي حمايته بعدم دخول أي جهة إدارية المنشأة أو المصنع الذي يمتلكه إلا بإذن من الوزير المختص". "ولكن ما يحدث يتناقض تماما مع التصريحات حول تقديم التسهيلات وتذليل العقبات للمستثمرين بالصعيد، فموظفي الضرائب العقارية يقتحمون المصانع مستندين إلي الضبطية القضائية، مما يترتب عليه العديد من الكوارث". وتساءل لمصلحة من أن تفرض مثل هذه الضريبة علي أراضي حصل عليها المستثمرون أساسا دون مقابل، وكيف سيتم التعامل معها؟ وكل ذلك علي حد قوله ضد قرارات رئيس الجمهورية بإتاحة الفرصة وتذليل العقبات أمام المستثمرين، فقرار الرئيس لا يلغي إلا بقرار مماثل وليس بلائحة أصدرها وزير المالية، فمناطق أسيوط الخمس والتي تضم أكثر من 300 مصنع ومنشأة تعرضت جميعها للغلق منذ القرارات الصادمة والأخيرة للحكومة، برفع أسعار المواد البترولية، وهو ما دفع أصحاب أكثر من 75% من هذه المنشآت إلي الغلق.