في الوقت الذي تخصص به إسرائيل 5% من الناتج القومي لتمويل البحث العلمي وتضع كوريا الجنوبية 4% من ميزانيتها لنفس الاتجاه وتحدد أمريكا 3% من موازنتها لنفس الغرض نجد أن مصر تخصص 0.7% فقط للأبحاث العلمية. الفارق الكبير يشير إلي العديد من التساؤلات: إلي هذا الحد لا نهتم بالبحث العلمي وتمويله بالرغم من كونه المفتاح السحري لحل كل المشكلات وبرغم أن التمويل الحكومي ليس هو المصدر الوحيد للإنفاق علي هذا القطاع في معظم دول العالم ومنها مصر إلا أنه يستحق من الحكومة مزيدا من الاهتمام لأنه مقياس تقدم الدول وسبيلها للتغلب علي الأزمات والطريق المضمون للتقدم والتنمية. آراء المتخصصين اختلفت حول سبل تمويل البحث العلمي في مصر وكيف يمكن تعويض هذه الفجوة الضخمة؟ يري د. هاني الناظر رئيس المركز القومي للبحوث اننا في مصر بالفعل نواجه أزمة في تمويل البحث العلمي رغم أن قوة أي مؤسسة بحثية تقاس بمقدار تمويلها، مشيرا إلي وجود مفهوم خاطئ في وجوب إنفاق الدولة علي البحث العلمي في حين أن مصادر التمويل يجب أن تكون متنوعة. ويقول: نحن نسعي إلي ذلك بالفعل ونجتهد لزيادة ميزانيتنا كمؤسسات بحثية دون الاعتماد علي الميزانية الحكومية التي لا يجب أن يتعدي تمويلها 20% من إجمالي ميزانية البحث العلمي.. أما ال 80% الباقية فيجب أن تكون من مصادر أخري متعددة سواء من القطاع الخاص أو الاتفاقيات الدولية، موضحا أن الاتحاد الأوروبي يضع ميزانية ضخمة للبحث العلمي، ويضيف الناظر أن المركز القومي للبحوث استحدث مصدرا جديدا للتمويل هو تبرعات العلماء المصريين بالخارج، فعلي سبيل المثال قام أحد العلماء المصريين بالسويد بتأسيس معملين بالمركز القومي للبحوث بتكلفة أكثر من 15 مليون جنيه، منوها إلي ضرورة فتح خطوط اتصال مع العلماء المصريين في الخارج خاصة أن معظمهم يعملون مستشارين لشركات كبري، وهذه الشركات تقوم أيضا بتقديم تبرعات للبحث العلمي تتمثل في أجهزة ومعدات لتجهيز المعامل البحثية. ويؤكد رئيس المركز القومي للبحوث أن العلماء هم ثروة أي بلد متقدم ويجب أن يستفيد بهم القطاع الإنتاجي في مصر سواء كان زراعيا أو صناعيا، وفي المقابل مطلوب من كل من يستفيد من الأبحاث العلمية أن يدفع مقابل هذه الاستفادة فمثلا عندما تتعرض إحدي الشركات لمشكلة ويقوم المركز بتقديم الحلول لها يجب أن تدفع مقابل لذلك. ويطالب د. الناظر رجال الأعمال في مصر بمساعدة المؤسسات البحثية بالمساهمة في تسويق أبحاثها بدلا من اللجوء للحلول المستوردة حيث يمكن لهذه المراكز المساهمة في حل أزماتهم وتطوير قطاعاتهم ومنتجاتهم. ويقول الناظر: إن رجال الأعمال في مصر لا ينفقون علي الأبحاث العلمية في حين نجد رجال الأعمال في أوروبا وأمريكا وإسرائيل ينفقون بسخاء علي هذه الأبحاث مما يساهم في سرعة التطور العلمي، ولهذا فيجب أن نتعلم منهم ثقافة الإنفاق علي البحث العلمي.. ويطالب الناظر المصانع وقطاعات الإنتاج بإنشاء مراكز بحثية يمكنها إجراء مزيد من الأبحاث التي تسهم بدورها في زيادة الإنتاج وتحسينه بما يؤدي إلي زيادة التصدير وتقليل حجم الاستيراد وبالتالي تحقيق مزيد من الدخل القومي. أما د. رأفت رضوان رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء السابق فيؤكد أن التطور العالمي يرتبط باستخدام وتوظيف البحث العلمي، والشعوب التي تحدث نقلة في معدلات التنمية تعتمد في المقام الأول علي نتاج هذا البحث، وإذا نظرنا إلي ما يحدث في دول ذات اقتصاد ناشئ كالهند وإيران وتركيا نجد هذه الدول خصصت موارد مالية متزايدة للبحث العلمي بصورة عامة وتوظيفه لخدمة وتنمية المجتمع بصورة خاصة. ويشير د. رضوان إلي أن أساس حضارة الدول المتقدمة الآن هو البحث والتحليل ليكون التقسيم العالمي الجديد حسب الفكر والإبداع وليس حسب الثراء والفقر. لذلك تتجه دول العالم المتقدم نحو زيادة الإنفاق علي البحث العلمي فلا يمكن أن نتخيل دولة تتحدث عن تنمية دون تعظيم دور البحث العلمي. ويضرب د. رضوان مثلا بأمريكا التي تخصص من أجل البحث العلمي 3% من الناتج القومي بها والذي يقدر بحوالي 13 تريليون دولار أي أن نصيب البحث العلمي ما يعادل 34 مليار دولار سنويا.. أما إسرائيل فتنفق 5% من الناتج القومي علي البحث العلمي.. في حين تنفق مصر من 0.6% إلي 0.8% فقط من الناتج القومي علي البحث العلمي وهذا رقم متدني للغاية.