أقسي عبارة سمعتها خلال أيام الصخب الماضية أن "هذه الحكومة تكره الشعب".. والعبارة رغم قسوتها تعكس غضبا شعبيا جارفا. فالإنسان المصري ليس غبيا، بل إنه أكبر غبي من يظن فيه ذلك، والإنسان المصري ليس صفراً علي الشمال كما يظن البعض في السلطة. فهذا الإنسان حتي ولو كان أمياً فهو "يفهمها وهي طايرة" فهو "فرَّاز" كما يردد دائما الدكتور يحيي الجمل. الإنسان المصري فطن أن المناسبة كانت مواتية أمام القيادة السياسية في عيد العمال لفض إضراب 4 مايو الذي انتقلت سيرته من المدونات إلي الشارع. وكان قد أعلن السيد رئيس مصر أن هناك "علاوة" قدرها 30% وفرح الناس وهللوا، فقد شعروا أن الرئيس يشعر بوطأة غول الغلاء الفادح ومن هنا اختفي الإضراب المتوقع الذي اختاروا له يوم 4 مايو أي يوم عيد ميلاد الرئيس. كان تفكير القيادة السياسية ذكيا فهو غير مفتعل وجاء في مناسبة عيد العمال خصوصا أن عمال مصر اعتادوا أن يقاطعوا الرئيس أثناء إلقاء خطابه المعتاد بعبارة تقليدية وهي "المنحة يا ريس" وكانت المنحة هذا العام علاوة لعلها غير مسبوقة. ولما كان التيار التحريضي يلعب علي وتر الاحتياج في زمن صعب وصفه رئيس الدولة أنه "حياة صعبة يعيشها المواطن". فقد كانت العلاوة المرتقبة أفضل رد للتآمر علي مصر الكيان والغد.. وانكسرت شوكة الإضراب المتوقع المرسوم! وكان يوم 4 مايو.. يوم عمل جاد. إلي هنا والموقف يستحق الاحترام. وأظن أن قرار زيادة العلاوة لم يكن عشوائيا، فقد "تدارسته" الأجهزة قبل أن ينطق به الرئيس، فلسنا قبيلة تفترش رمال الصحراء ولكننا دولة لها كيان وقيادات ومؤسسات وعقول ومستشارون. ولعل أهم دراسة هي "كم تتكلف بالورقة والقلم هذه الحسبة؟"، أي "ما موارد فلوس العلاوة؟". وبصيغة أبسط: كم تريد الدولة لتدفعها للمواطنين لتوفي وعد العلاوة؟ لا شك أن الدولة كانت بحاجة إلي أموال. والناس تعرف أن أهم موارد الدولة هي قناة السويس والسياحة والبترول والضرائب وبيع الأراضي. الناس تدرك أن خزينة الدولة ليست خاوية. وفي هذه الحالة لابد من "أموال" للعلاوة المرتقبة. الحل الأسهل هو فرض أعباء جديدة تدر أموالا. لا مانع من زيادة الأعباء علي القادرين. لا مانع من زيادة الأعباء علي أصحاب الشرائح الكبيرة ولا مانع كتفكير عاقل من أي زيادات وإلا من أين ستدفع الدولة التزامها بالعلاوة؟ هل ستطبع الدولة بنكنوت وتوزعها علي الناس؟ محال، فهذا تفكير ساذج. مضمون ما جال بخاطر الدولة عقلاني ولكنه يتم علي مراحل وعلي فترات متباعدة وليس بين يوم وليلة وكأنها عملية "استكراد" كما اصطلح المصريون علي وصفه. الزيادات علي السلع تتم تدريجية مع إعلام يقظ مفتوح المسام يوضح للناس معني هذه الزيادات القليلة ولكن زيادات مفاجئة تعقب إعلان العلاوة أو المنحة، إخراج سيئ للغاية يستحق هذا الغضب الشعبي ووصف الحكومة انها تكره الشعب. استعينوا بمخرج حريف لهذه الأمور!