في عددها بمناسبة الاعياد تصدرت كلمة "السعادة" عنوان مجلة "الايكونوميست" هذا الاسبوع.. السعادة: وكيف تقاس.. والعنوان هو لموضوع داخل المجلة يبحث في اقتصاديات السعادة، وكيف يمكن أن تحول الرأسمالية واقتصاد السوق المجتمعات الي الثراء والحرية.. لكنها لا تضمن لها في الواقع السعادة.. الموضوع برمته بعيد كل البعد عن واقعنا.. بل اكتشفت من قراءته ان كلمة "السعادة" هي كلمة اختفت من قاموس حياتنا اصلا.. حتي القاموس اليومي الذي كان يتضمن في الزمن الماضي تحية "سعيدة" او "سعيدة مبارك" لم يعد أحد يستخدمه.. فالسعادة او حتي الرضا اضحت من صعاب الأمور. موضوع الايكونوميست تحدث عن نتائج طبيعية فالدول الغنية اكثر سعادة من الدول الفقيرة، الا انه ايضا تحدث عن النتائج المثيرة: فالدول الغنية لا تزداد سعادتها بمقدار زيادة ثرائها.. هذا هو حال الدول الغنية فماذا عن حالنا نحن في الدول "النامية"؟! والإجابة لا تحتاج لاستطلاع رأي كالذي يجريه الامريكيون منذ عام 1972 ويسألون فيه الناس إن كانوا سعداء جدا، أو سعداء أو غير سعداء.. ليتعرفوا علي مشاعر الشعب التي تعكس احوال الاقتصاد والخدمات.. فالحكومة عندنا تعرف الاجابة دون الحاجة لاستبيان: المواطن المصري غير سعيد.. وفي أوقات كثيرة من تاريخ مصر كانت السعادة نسبية، وكانت هناك طبقة سعيدة علي حساب طبقة غير سعيدة.. فقبل الثورة كانت طبقة الاغنياء واصحاب الأراضي، ومع ثورة 23 يوليو اصبحت الطبقة المتوسطة هي الطبقة الاكثر سعادة لانها الاكثر سلطة والاكثر استفادة من خدمات الدولة.. فلما جاءت سياسات الانفتاح وبدأ ظهور الطبقات الطفيلية التي أثرت من التهريب والسمسرة والهجرة اصبحت تلك هي الاكثر سعادة.. اما الان.. وبنظرة سريعة علي الوجوه وبتشريح بسيط للوضع القائم لا أحد سعيد. فالفقراء "يمثلون الان 20% من تعداد السكان في مصر" بالتأكيد غير سعداء بحياتهم التي تضعهم تحت خط الفقر "13 مليون مصري يعيشون بأقل من دولارين في اليوم" مجردين من كافة الخدمات بانواعها، معرضين للامراض والجهل والموت والانحراف.. والطبقة الوسطي "من الموظفين والمتعلمين والمدرسين والاطباء والمهنيين بأنواعهم" فقدوا ميزاتهم حيث تركتهم الدولة بلا سند مع الاصلاحات الهيكلية.. فتآكل دخلهم بالتضخم وانعدام الخدمات واللجوء الي النظام الموازي "الدروس الخصوصية، التأمين الصحي.. إلخ".. فسقط من سقط من هذه الطبقة الي الفقر ويعاني من يعاني منها من شظف الحياة وصعوبتها.. واصبحت تلك الطبقة هي الاكثر غضبا واعتراضا علي الحياة في مصر "الحكومة تقول انها تمثل 60% والقطاع الخاص يقول انها 16% فقط!!". يبقي الاغنياء.. ممن يملكون الاصول والاعمال الخاصة.. هؤلاء من المفترض ان يكونوا الاكثر سعادة.. الا ان هؤلاء ايضا اصبحوا متذمرين.. غاضبين.. رافضين للواقع.. حتي ولو لم يعلنوا عن ذلك الا سرا خوفا علي تأثر مصالحهم.. لماذا هم كذلك؟.. لاسباب مختلفة.. فهم يدفعون كثيرا ولا يحصلون علي قيمة ما انفقوا.. تفاجئهم السياسات بالتغيير دون انذار مما يكبدهم خسائر فادحة، يعانون - بكل سلطانهم وجاههم - من نظام قضائي بطئ غير متخصص.. ويعانون هم انفسهم من سوء توزيع الدخل في المجتمع المصري مما يثير عليهم غضب الاخرين واحقادهم.. والاهم ان كثيرا منهم لم يتمكن من اقناع ابنائه باستكمال الحياة والمسيرة في مصر فالمستقبل غير واضح.. بل ومخيف تحت وطأة تهديد تيار ديني متشدد قد يلقي بكل مكاسبهم أدراج الرياح. المواطن المصري غير سعيد.. ولو اقنعت الحكومة المصرية نفسها بغير ذلك - كما هي عادتها - لكانت كمن يدفن رأسه في الرمال.. المواطن المصري غاضب، حانق، والاسوأ انه يائس وحزين. هل يمكن علاج ذلك.. بالتأكيد: فالقضية ليست في ارتفاع طموحات هذا المواطن - كما يظن د.نظيف رئيس الوزراء - القضية هي ان هذا المواطن يطالب بحق بسيط وأصيل في حياة كريمة: تعليم.. صحة.. طرق.. خدمات.. حقوق انسان. اجعله شريكا وليس عبدا، مسئولا وليس شحاذا.. كريما وليس مهانا. المواطن المصري في نهاية عام 2006 في اتعس حالاته، الأرقام لا تعني له أي شيء.. الاستثمارات والدولارات لا تقدم له كسرة خبز، هو فقط يريد أن يطمئن علي مستقبل أولاده من العوز والفقر والمرض.. يريد فقط ألا يقتل في مستشفي أو علي الطريق أو في عبارة.. المواطن المصري.. وأنا منهم.. غير سعيد هل تسمعون ذلك.. نحن غير سعداء بما تفعلون. فإذا جاءت ليلة الحادي والثلاثين من يناير 2006 لا تهنئوا أنفسكم.. بل حاسبوها أنتم اتعستم هذا الشعب.. فلا يجب أن تفرحوا.. أبدا