نشرت صحيفة "الحياة" علي خمس حلقات أجزاء من كتاب وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت فالكتاب هو خطاب يشتمل علي نصائح للرئيس الأمريكي المنتخب الذي سيتسلم منصبه في مطلع العام 2009 أطلقت أولبرايت التي خدمت في إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون، علي نصائحها الارشادية "مذكرة إلي الرئيس المنتخب" وتضمنت المذكرة تعليمات للرئيس المقبل تتصل بالسياسة الأمريكية الدولية التي يجب اعتمادها تجنبا لوقوع أخطاء قاتلة كما حصل في عهد الرئيس الحالي جورج بوش. نصائح أولبرايت جاءت في سياق خطة عمل مبرمجة تقترح علي الرئيس المنتخب الأخذ بها لكونها تعتمد علي معرفة بالتاريخ وتجربة خاصة تأسست خلال عملها في إدارة كلينتون فالنصائح مقترحات تمزج بين رؤية عامة استندت إلي تجارب الدولة في عهود سابقة وقراءة خاصة تعتمد علي معلومات تراكمت من خلال التجربة. تكشف أولبرايت في حلقتها (الثلاثاء 8 ابريل الجاري) عن حساسية بوش من كلينتون التي وصلت إلي حد الغيرة والحسد والمخالفة فبوش كان يرفض أي اقتراح جاء من عهد سلفه "أي شيء إلا كلينتون" هذا ما كان يردده بوش لكل المستشارين وطاقم الإدارة وبسبب هذه النزعة الكيدية تورط بوش في سياسات طائشة أودت بسمعة إدارة واشنطن إلي الحضيض. انطلاقا من هذه المقارنة التي وصفت اختلاف أسلوب كلينتون في إدارة الأزمات "وصفته بالرئيس الذي لا ينام" عن أسلوب تسلطي اعتمده بوش تبدأ أولبرايت بتحديد المفاهيم العامة التي يجب أن تتبعها الولاياتالمتحدة لتصحيح مسارها التاريخي والتصحيح يبدأ بعدم اهمال الحلفاء وعدم الافراط في استخدام القوة وعدم السماح للايديولوجيين بتقرير مصير دولة براجماتية في علاقاتها الدولية وهذا الأمر يتطلب طرد الاحساس بعدم الأمان والخوف الدائم من تعرض الأمن القومي للخطر. الاحساس بوجود خطر علي الأمن يؤدي كما تري أولبرايت إلي نمو نزعة عسكرية تسيطر علي "وعينا القومي" وتصبح القرارات مضطربة وتؤدي إلي نتائج عكسية كما حصل في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين فالمبالغة في تقدير الخوف أدت لاحقا إلي تراجع استخدام "قوتنا" وأحدثت "فوضي في محاربة الارهاب" وعطلت فكرة الديمقراطية وامكان انتشارها في مناطق مضطربة، والخوف أيضا ساهم في تقويض "نموذج" العراق واعياء الجيش الأمريكي وتقلص تحالفاتنا الدولية وانزال الضرر بالاقتصاد والتجارة والاحتياط النقدي. المخاطر الخمسة بناء علي هذه المفاهيم العامة المقرونة بالتجارب والأدلة تري أولبرايت أن أمريكا تواجه الآن خمسة مخاطر أربعة ظاهرة والأخير مخفي المخاطر الظاهرة هي: الارهاب والانتشار النووي والشك بالديمقراطية واتساع الهوة بين الاغنياء والفقراء أما الخطر الخامس فهو احتمال ارتداد أمريكا إلي الداخل ودخولها عصر العزلة الدولية وترددها في القيام بواجباتها الإنسانية ومهماتها التاريخية والخطر الأخير تعتبره أولبرايت الاسوأ، لأنه "يفاقم تلك الأخطاء الأربعة" خيار الانكفاء "العزلة" سيئ ولكنه مسألة محتملة لأن التاريخ الأمريكي يشهد دائما علي أن الولاياتالمتحدة كانت "ترد تاريخيا علي فترات التدخل الشديد في الخارج بمحاولة الانعزال" وهذا الاحتمال برأي أولبرايت ليس جيدا لذلك قدمت للرئيس المنتخب مجموعة اقتراحات ونصائح وارشادات في إطار مذكرة تعتمد فرضيات تشير إلي ضرورة التدخل في سياق عقلاني وهادئ ومن دون مبالغة في القوة أو افراط في التوقعات الوردية. "كن طموحا ولكن تواضع في كلماتك ما استطعت" هذه النصيحة وضعتها أولبرايت للرئيس المقبل حتي لا ينزلق في سياسة هوجاء كما فعل سلفه بوش وكي لا يندفع إلي الداخل تاركا الخارج يعصف بالعالم بينما أمريكا تعيش منفردة في كهف منعزل. في الحلقة الثانية تبدأ أولبرايت بشرح رؤيتها العالمية للسياسة الدولية بناء علي التقاليد الأمريكية وتجربتها الشخصية في إدارة كلينتون. تبدأ أولبرايت القراءة من الشرق إلي الغرب ففي الشرق هناك "البلدان الرائدة" ولكن النزاعات السابقة "لاتزال تلازم هذه البلدان" وبناء علي هذا التوصيف تؤكد أن اليابان هي الحليف الأول للولايات المتحدة وهي تأتي في المقدمة وقبل الصين القوية والصاعدة، وعلي أساس هذا الترتيب في الأولويات الأمريكية تري أولبرايت أن آسيا تعاني من مشكلات بنيوية المعطوفة علي تنافس بين الدول الصاعدة اقتصاديا وتخبطها الاقليمي المترافق مع نموها السريع الذي يوتر العلاقات بين الحداثة والتقاليد، وتتوقع أن تشهد آسيا "الاستقرار" شرط ألا يحاول "بلد ترهيب الآخر" وهذا الاحتمال وارد إذا ظهرت نزعة الامبريالية الاقليمية وتنصح أولبرايت الرئيس المنتخب أن يستفيد "من انشغال البلدان الآسيوية ببعضها البعض". وفي الاسبوع المقبل سوف نستكمل باقي نصائح وزيرة خارجية أمريكا السابقة ومصاحبة الخبرة الطويلة في مجال السياسة الدولية.