جمعتني الظروف بواحد من مطربي هذه الأيام وسألته: "هل قرأت آخر رواية لنجيب محفوظ"؟ واندهش لسؤالي علي الرغم من اني كنت أحدثه باللغة العربية التي يعرفها جيدا واعرفها أنا ايضا. ظن المطرب الشاب أني اختبره باسم رواية غير موجودة واسم كاتب لا تهتز له حاليا أعماق كل من قرأ له. وقال لي المطرب الشاب "نجيب محفوظ موضة قديمة" فسألته عمن يقرأ له، فاجاب إنه لا يقرأ سوي ما يكتبه الصحفيون عنه وحزنت كثيرا لأنه نسي تراثا فعليا قام به الثلاثة الكبار في عالم الغناء، وأعني بهم أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ فقد كان كل واحد من الثلاثة يقرأ ويتابع. ومن يسمع ام كلثوم وهي تقرأ قصيدة "الأطلال" دون غناء يمكنه ان يسبح في بحر من الدهشة، لأنها تقرأ القصيدة كواحدة من كبار الدراسات للأدب العربي، وكانت تقرأ كل ما كتبه العقاد - علي الرغم من تقعر اسلوبه وافكاره - وكانت تقرأ لتوفيق الحكيم، وهي من تحفظ بجدارة العديد من أشعار المتنبي وكان محمد عبد الوهاب يقرأ - علي الرغم من ضعف بصره - أغلب انتاج عصره من الكتاب والمفكرين، ألم يكن هو في الاصل من تربية أمير الشعراء أحمد شوقي. أما عبد الحليم حافظ فعلي الرغم من أنه كان يشكو دائما من زغللة العين. فإنه كان يسمع جيدا من كبار الكتاب والآدباء الذين سعي هو اليهم. ولست انسي أبدا كيف كان يصر علي ان يقرأ له سكرتيره عباس مسرحية "المتوحشة" لجان انوي وهي المسرحية التي رآها موجزا لحياة سعاد حسني وهو الذي قدمها لها لتتحول برغبة سعاد حسني من بعد ذلك إلي فيلم سينمائي قامت ببطولته. ان مطربي هذه الأيام لا يرتبطون بالوجدان العام للناس لأنهم لا يقرأون وهم يظنون ان قراءة الجرائد والمجلات وحدها يمكن ان تغنيهم عن الثقافة العامة، ويكتفوا بحكاية الدوران حول أنفسهم دون ان بعبئوا النفس بحقائق الحياة والفلسفة وعلم النفس والسياسة.. ولذلك تموت منهم الكلمات التي يقدمونها عبر أصواتهم. ويمكنني ان استثني علي الحجار ومحمد الحلو من كل ما تقدم، وان كنت اثق ان كلا من الاثنين لا يتابع الجديد من الثقافات في الكون. عن نفسي لست انسي كيف كان عبد الحليم حافظ يزور المكتبات في بيروت كي يأتي لي شخصيا بالعديد من الروايات العالمية ويسألني فيها وعن موجزها وعن نفسي لا انسي له أبدا أنه كان يحضر بانتظام كل عروص المسرح الاستعراض العالمي "الليدو" ومسرح الاستعراض الآخر "الفولي بريجير" ومسرح الاستعراض الثالث "المولان روج" وكل ذلك من أجل التعرف علي الجديد في وسائل الإبهار. لا اكتب ذلك طلبا للندم من الاجيال الحالية علي نفسها ولا بكاء علي الاجيال السابقة، ولكن من المؤكد ان المطرب المثقف سيستطيع تأدية الكلمات الحساسة عن المشاعر بطريقة أكثر عمقا ممن يكتفون بترديد الكلمات دون وعي بعمق المشاعر التي تحتويها.