سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بعد أن تحولت أزمة أسواق الائتمان الأمريكية إلي إعصار حلزوني
برنانكي يتعهد بتجنب "أخطاء التسعينيات اليابانية" واستخدام أساليب غير تقليدية لمحاربة الركود
من المفترض في البنوك المركزية أنها تميل بسياساتها ضد اتجاه الريح.. فصناع السياسة النقدية يقومون فورا بزيادة أسعار الفائدة إذا كان معدل النمو القوي يهدد بزيادة التضخم، كما أنهم يخفضون أسعار الفائدة عندما يبدأ الاقتصاد في الانحدار نحو الركود ومواجهة أزمة سيولة.. ولكن ماذا تفعل البنوك المركزية عندما تتحول الريح إلي زوبعة أو إعصار حلزوني؟ تقول مجلة "تايم" الأمريكية إن هذا تحديدا هو السؤال الذي تواجهه حاليا البنوك المركزية الأوروبية وبنك الاحتياط الأمريكي وسائر البنوك المركزية الأخري في العالم وهم يشاهدون العاصفة المالية التي افرختها أزمة سوق الرهونات العقارية الأمريكية تطيح باستقرار أسواق الائتمان العالمية.. ونحن نعرف أن ارتفاع معدلات الاقتراض إلي جانب ما حدث من تشديد في شروط منح الائتمان قد دفعا الاقتصاد الأمريكي بالفعل إلي حالة الركود. إن مثل هذه الظروف تعقد القواعد التي يستند إليها عمل البنوك المركزية ومن ضمنها قاعدة تايلور.. وهي قاعدة وضعها جون تايلور أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد في مطلع التسعينيات وتقوم بمقتضاها البنوك المركزية برفع أو خفض أسعار الفائدة استرشادا باثنين من المتغيرات أولهما هو ما إذا كان التضخم أعلي أو أقل مما يستهدفه البنك المركزي، والثاني هو ما إذا كان معدل النمو الاقتصادي أعلي أو أقل من مستوي التشغيل الكامل، وإذا كان التضخم في حدود المعدل المستهدف والاقتصاد يعمل بكامل طاقاته فإن قاعدة تايلور تقول إن علي البنك المركزي المبادرة بتثبيت سعر الفائدة عند مستوي محايد يري تايلور أنه 4% عندما يكون معدل التضخم المستهدف للاقتصاد الأمريكي عند مستوي 2% سنويا. ولكن قاعدة تايلور لا تقول لنا ما نفعله إذا تغير سعر الفائدة بسرعة تبعا لتغيرات الظروف المالية وهذا هو بالضبط ما يحدث الاَن في الأسواق.. فالبنوك وغيرها من مؤسسات الإقراض تطلب ضمانات أكبر من أجل إقراض الأفراد والشركات ولمنع الزيادة في تكاليف الاقتراض أو بعبارة أخري للإبقاء علي المستوي المحايد لسعر الفائدة يتعين علي البنوك المركزية خفض هذا السعر.. أما إذا أرادت البنوك المركزية تقديم محفز نقدي لاقتصاد مريض فإن عليها أن تخفض سعر الفائدة إلي أقل من السعر المحايد الجديد الذي كانت قد حددته. وهنا تقول مجلة "تايم" إنه إذا لم تتحرك البنوك المركزية بالسرعة الكافية وأدي تدهور الظروف المالية إلي إيجاد حالة من الدوران في حلقة مفرغة من الفعل ورد الفعل الذاتي للتدهور الاقتصادي فإن البنك المركزي قد يجد نفسه يطارد سعر الفائدة المحايد ولا يصل إليه إلا ليغيره من دون أن يقود ذلك إلي أي زيادة في الطلب.. وقد عاشت اليابان في مثل هذه الحالة المأساوية في تسعينيات القرن الماضي حتي وصلت بسعر الفائدة إلي صفر في المائة من دون أن تنجح في إنعاش اقتصادها. وحتي الاَن يبدو بن برنانكي رئيس بنك الاحتياط الأمريكي مصمما علي تجنب تكرار الأخطاء التي سبق أن وقعت فيها اليابان.. وقد تعهد خلال شهادات أدلي بها أخيرا أمام الكونجرس بأن يتخذ في الوقت المناسب القرار المناسب من أجل دعم النمو الاقتصادي وصنع ضمانات كافية ضد مخاطر التدهور.. ولعل أعمال بنك الاحتياط تتحدث أفضل من الكلمات حيث إن إقدامه علي خفض سعر الفائدة بنسبة 25.1% في يناير الماضي كان أسرع خطوة من نوعها بخفض سعر الفائدة في تاريخ بنك الاحتياط الأمريكي كله. وقد اتخذ البنك خطوات أخري حيث وسع أخيرا البرنامج الذي كان قد تم تقديمه أواخر العام الماضي من أجل ضخ مزيد من السيولة في الجهاز المصرفي الأمريكي والسبب هو أن استمرار ارتفاع معدلات الفائدة الرئيسية بما في ذلك فوائد الرهونات العقارية هو أمر ناتج عن محنة الأسواق المالية وهذا يجعلنا نترقب حدوث مزيد من الخفض في أسعار الفائدة كما تترقب استخدام بنك الاحتياط الأمريكي لأساليب غير تقليدية لإعادة الاتزان إلي أسواق الائتمان بما في ذلك إمكانية قيام البنك بشراء الأوراق المالية المتداولة في سوق الرهن العقاري الأمريكي.. وليس من الواضح حتي الاَن مدي ما يمكن أن تحققه هذه الأساليب من نجاح في الخروج بالاقتصاد الأمريكي من الركود خصوصا مع استمرا رالأزمة في سوق الإسكان. باختصار، نستطيع القول بأن عام 2008 سيشهد وضع مصير الاقتصاد العالمي علي المحك مثلما سيشهد أيضا القول الفصل في مدي قدرة بن برنانكي علي الخروج بالاقتصاد الأمريكي من أزمته الراهنة.