يبدو أن حكومات المنطقة بأسرها علي موعد مع حرب طويلة ضد شبح التضخم الذي يضرب بجذوره في أروقة اقتصادياتها مهددا بتبعات خطيرة تبدأ بتراجع العملات ومدي استقرار أسعار الصرف بل وكساد يهدد انجازات عام ،2007 ويبدو أن علي الدول العربية أن توجه ضربة وقائية لهذا الغول القادم ولكن يجب عليها كما يؤكد الخبراء أن تكون ضرباتها الموجهة في الحرب ضد التضخم ذات أهداف واستراتيجيات تضع نصب أعينها السيطرة علي منابعه وليس علي طريقة الحرب ضد الإرهاب وهذا ما تعوله الآمال علي السياسات النقدية لهذه الدول وفي مقدمتها مصر عندما اتخذ البنك المركزي قرارا برفع سعر الفائدة لأموال ليلة واحدة بواقع 50 نقطة أساس مستشهدا بضرورة احتواء التضخم حيث تقرر زيادة سعر الإيداع لليلة واحدة إلي 9.5% وسعر الاقراض إلي 11.5% ويأتي القرار ليعتبر الثاني خلال شهر واحد حيث رفع المركزي أسعار الفائدة آخر مرة في العاشر من فبراير. ويستند القرار في فحواه إلي أن معدل التضخم قفز وفقا لمؤشر أسعار المستهلكين إلي 10.5% في يناير 2008 وإلي 12.1% في فبراير 2008 بما يجاوز الحدود المقبولة لدي البنك المركزي ويعزي هذا التصاعد إلي الزيادة المستمرة في أسعار السلع الغذائية التي انتقلت بدورها إلي أسعار السلع الأخري، وتوقع المركزي أن يؤدي ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الغذائية إلي استمرار تصاعد أسعار المواد الغذائية محليا ومن ثم انتقال ذلك الأثر إلي السلع غير الغذائية.. كذلك وعلي الرغم من اتجاه معدل نمو الاقتصاد العالمي إلي التراجع فمن المتوقع أن يحافظ الاقتصاد المصري علي معدلات نمو مرتفعة مما قد يؤدي إلي ضغوط تضخمية إضافية حيث تتوقع الحكومة أن يصل النمو الاقتصادي خلال العام الحالي إلي 7% مستهدفة ترويض التضخم إلي ما بين 6 8%. ويأتي هذا الإجراء في أعقاب سلسلة من القرارات التي اتخذتها البنوك المركزية العربية بداية من الكويت وهي الدولة الخليجية الوحيدة التي فكت ارتباط الدينار بالدولار ثم قطر. وعلي الرغم من القرار الذي اتخذه المركزي لرفع أسعار الفائدة باعتباره أحد أدوات السياسة النقدية المحققة لاستقرار الأسواق واحتواء شبح التضخم يبقي تساؤل يطرح نفسه هل سترفع البنوك اسعار الفائدة علي الودائع؟ ومن المستفيد من القرار البنوك أم العملاء؟ "الأسبوعي" طرح هذا التساؤل علي المصرفيين وحاول رصد إجاباتهم حيث انقسمت الآراء ما بين فريق اعتبر أن القرار كان لابد أن يتم التريث فيه لسببين مختلفين: الأول: هو ضرورة معالجة مشكلة السيولة الهائمة في البنوك والتي تحد من قدرة البنوك علي تطبيق أسعار الفائدة الجديدة علي أموال المودعين مكتفين باستثمار أموالهم من خلال آلية الكوريدور وبالتالي تبقي جهود مكافحة التضخم بعيدة عن منبعه.. أما السبب الثاني الذي أورده بعض الخبراء هو أن القرار الثاني جاء بسرعة قبل أن تنفذ البنوك القرار السابق الذي تم اتخاذه في العاشر من فبراير الماضي وذلك في ظل رؤية ضبابية وحالة من عدم الاستقرار التي تشوب الأجواء وكان من الأحري الانتظار والتريث حتي تستطيع البنوك استقراء الأحداث. بينما رأي فريق آخر ان اتخاذ قرار رفع أسعار الفائدة أو خفضها أو احد أدوات السياسية النقدية المستخدمة في إدارة التضخم ويبقي علي البنوك تطبيقها بالصورة التي تناسب كل بنك ورؤيته واستراتيجيته في ظل حرية منافسة ورقابة قوية من المركزي. منافسة وشفافية من جانبه يؤكد علاء سماحة رئيس بنك بلوم ان اقدام المركزي علي اصدار مثل هذا القرار يأتي في ضوء إدارة المركزي لزمام الأمور وفقا لما تقتضيه مجريات الأحداث مشيرا إلي أن تطبيق الأمر وتعميم أسعار الفائدة علي ودائع المواطنين يتوقف علي تطبيق البعض له، الأمر الذي سيؤدي إلي تطبيق الآخرين له تباعا وذلك لأن المواطن سيختار الأكثر ربحية له في ظل سوق تتمتع بتنافسية وشفافية. أضاف ان كثيراً من البنوك استجابت للقرار الأول الصادر في الشهر الماضي بشأن رفع أسعار الفائدة رغم انه لم يتم الإعلان عن ذلك بصورة واضحة من خلال الشاشات. وقال هشام حسن رئيس بنك تنمية الصادرات ان قضية أسعار الفائدة لابد ألا تؤخذ علي محمل قومي بدعوي مواجهة التضخم بل يجب أن تخضع بالأساس إلي ظروف كل بنك وينبغي علينا ألا نعظم الموقف ونترك كل بنك وسياساته التي تتسق وأهدافه وذلك في ظل منافسة تامة وبدائل متنوعة يختار المواطن ما يريد منها تحت مظلة المركزي فالكثيرون لديهم أهداف تتعلق بأن تكون تكلفة أموالها منخفضة بما يمكنه من التسليف وتمويل المزيد من المشروعات وهذا يتوقف علي رؤية كل بنك. أوضح جمال محرم رئيس بنك بيريوس مصر انه لا داع لإعطاء الأمور أكبر من حجمها فالبنك المركزي لديه أدواته التي يضبط بها ايقاع السوق بما يراه مناسبا مشيرا إلي أن مسألة اسعار الفائدة يجب تركها لسياسة كل بنك كل وفق رؤيته الخاصة. أشار إلي أن كل بنك يهدف الي تحقيق الربح ويسعي الي ذلك وهذا ليس عيبا بل هو شيء طبيعي ولكن هناك معايير تحكم اتخاذ قرارات بشأن أسعار الفائدة أهمها حجم السيولة المتوافر لديه حيث إن العلاقة بين أسعار الفائدة وبين حجم السيولة هي علاقة عكسية فكلما كان البنك لديه سيولة زائدة لن يقوم برفع أسعار الفائدة لانه لا يريد ان يجتذب أموالاً أكثر والعكس صحيح في حال الحديث عن عدم توافر سيولة ضخمة الأمر الذي سيدفع البنوك الي رفع أسعار الفائدة علي الودائع لاجتذاب أموال وبالتالي الأمر برمته يخضع لرؤية كل بنك.