رغم أن تركيا كانت علي امتداد عام 2007 تخرج من أزمة سياسية لتدخل في أخري فإن أداءها الاقتصادي أمر مختلف.. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن أحد كبار جنرالات الجيش التركي هدد بانقلاب عسكري في شهر ابريل، وإن الانتخابات العامة المبكرة أجريت في يولية وفاز بها حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الإسلامية وإن هذا الحزب استطاع في الشهر التالي مباشرة أن يدفع بوزير خارجيته السابق عبد الله جول ليصبح رئيسا للجمهورية وتدخل زوجته المحجبة القصر الرئاسي علي غير رغبة العسكر ثم انخرطت تركيا أخيرا في عملية مطاردة عسكرية لمتمردي حزب العمالة الكردستاني المختبئين في شمال العراق ولكن هذا كله لم يؤثر علي الأداء الاقتصادي للأسواق التركية. والحقيقة أن الاقتصاد التركي لم يكن في أي وقت بصحة جيدة مثلما هو الاَن ويرجع الفضل في ذلك إلي التزام الحكومة التركية حكومة حزب العدالة والتنمية بكل الإصلاحات التي أوصاها بها صندوق النقد الدولي.. فمنذ مجيء هذا الحزب إلي السلطة عام 2002 تحقق تركيا معدل نمو يناهز ال 6.6% سنويا في المتوسط.. كما هبط معدل التضخم ليقل كثيرا عن 10% أما الاستثمارات الأجنبية المباشرة فقد زاد تدفقها علي تركيا بقوة وهذا هو أحد أهم أسرار شعبية حزب العدالة والتنمية في الشارع التركي التي ظهرت بوضوح خلال الانتخابات البرلمانية في يولية الماضي. ومع ذلك يقول لورنزو جورجياني مفوض صندوق النقد الدولي المسئول عن ملف تركيا إن هذا الأداء الاقتصادي القوي ليس مسألة مضمونة الدوام.. ففي الربع الثالث من العام الماضي تدني مستوي النمو الاقتصادي التركي إلي 5.1% فقط سنويا وهو أدني مستوي له منذ 6 سنوات كاملة.. كذلك فإن أزمة أسواق الائتمان الغربية واحتمالات حدوث ركود في الاقتصاد الأمريكي قد صرفت اهتمام المستثمرين عن العمل في الأسواق الناشئة.. كما أن تركيا التي تعاني نقصا شديدا في ميزان حسابها الجاري ستكون سريعة التأثر بأي مطب اقتصادي عالمي.. أضف إلي ذلك تراجع احتمالات انضمام تركيا إلي عضوية الاتحاد الأوروبي وهي الاحتمالات التي كانت تشجع الأجانب علي الاستثمار فيها.. كما أن برنامج صندوق النقد الدولي سوف ينتهي في مايو القادم ولم تبت الحكومة التركية بعد في أمر تجديده. وليس بخاف علي أحد أن عجز الحساب الجاري يتفاقم بسبب فاتورة الطاقة المتزايدة، كما أن انتقال الصناعة إلي مرحلة إنتاج السلع ذات القيمة المضافة المرتفعة يجعلها تحتاج إلي مدخلات أغلي ثمنا.. ومع الارتفاع في قيمة الليرة التركية فإن فاتورة الواردات تتصاعد قيمتها، وفي السنوات الماضية كانت تغطية هذا العجز تتم عن طريق رؤوس الأموال الساخنة المقبلة علي تركيا وهو ما يجعل الاقتصاد أكثر عرضة للتأثر بأية تقلبات.. أما الاَن فإن ثلثي هذا العجز في الميزان الحسابي تغطيه الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي وصلت إلي 22 مليار دولار في عام 2007. ويعتقد ميتين اَر رئيس جارانتي سيكيورتيز في اسطنبول أن خصخصة الطرق والخطط الجديدة بشأن شبكات توزيع الطاقة ستزيد حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي ستدخل تركيا في العام الحالي 2008 لتصبح 30 مليار دولار لأن الأجانب حريصون علي أن يكون لهم موطيء قدم في الاقتصاد التركي. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن القطاع المصرفي والبنوك التركية بأرباحها الكبيرة وسوقها البكر خاصة في مجال صرافة التجزئة ستكون هدفا مهما للاستثمارات الأجنبية.. وهناك تنظيمات جديدة في هذا القطاع ترفع معدل كفاية رأس المال إلي 20% علي الأقل في حين أن الحد الأدني العالمي لمعدل كفاية رأس المال في القطاع المصرفي في حدود 8% فقط.. وهنا يقول محمد سيمسك وزير الاقتصاد التركي إنهم لا يسمحون بمعدل كفاية رأس المال أقل من 12% ويري الوزير الذي أتوا به من ميريل لينش في بريطانيا ليتولي هذا المنصب أن الأسواق تميل إلي الوافدين الأجانب، ويعترف الرجل بأن تركيا أيضا غير محصنة ضد أية صدمات خارجية ولكنه لا يري حاليا وجود أزمة في الأفق.. ويقول إن عمله الأساسي هو إصلاح نظم الضمان الاجتماعي الذي يعد إصلاحها اختبارا لمدي تمسك الحكومة التركية بالإصلاح الاقتصادي عموما.. وأكبر مشكلة تهم سيمسك هي ارتفاع تكاليف العمالة حيث إن تركيا تعتبر صاحبة أعلي مستويات الأجور في كل دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.. وهو يري أن الضريبة علي العمل وسخاء مزايا الضمان الاجتماعي تعد الحائل الأول أمام إيجاد مزيد من فرص العمل، ولذلك فإن معدل البطالة صار يناهز ال 10% سنويا.. ويمكن القول عموما بأن الأمل معقود علي وزير الاقتصاد محمد سيمسك 40 عاما ليستخدم خبرته في تجنيب الاقتصاد التركي أي أزمات حادة في العام الحالي.. ورغم أنه متزوج من أمريكية ويجيد الانجليزية أكثر من التركية فإنه يوصف بأنه كان من التلاميذ النجباء خلال دراسته الاقتصاد في جامعة أنقرة كما أنه يتمتع بثقة كاملة من رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان.