من يتذكر أحوال إندونيسيا عندما كانت تحت الحكم الاستبدادي للجنرال سوهارتو لابد ان يصاب بالدهشة والذهول عندما يزور هذا البلد الآسيوي بعد ان نفض عن كاهله عبء الدكتاتورية. ولابد ان تزداد دهشته اذا وضع في اعتباره كذلك ان هذا البلد ذاته تعرض لهزة اقتصادية عنيفة عام 1997 لا تقل عنفا عن "السونامي" الذي قضي علي الاخضر واليابس وجعل جزرا كاملة تختفي من الوجود وكأن هذا البلد لا تكفيه نزوات الطبيعة ونزقها فأضيفت الي نكباته نكبة أخري من صنع الانسان هي نكبة العمليات الارهابية التي تعرضت لها أهم مقاصده السياحية في "بالي" أشهر منتجع في العالم. هذا البلد الذي تعرض لكل هذه النكبات بعد ان عاش سنوات طويلة تحت حكم استبدادي فاسد ما زال قادرا علي البقاء بل والتطلع الي المستقبل والسعي لان يكون"نمرا" اقتصاديا حقيقيا. ولا أحد في إندونيسيا التي يقطنها 234.7 مليون نسمة يشكك في انها تتحرك علي طريق النمو الاقتصادي لكن الخلاف بين الاحزاب المتعددة ينحصر في تقييم سرعة هذا التحرك وعلي سبيل المثال فان وزير الخارجية السابق علي العطاس يعترف بان اندونيسيا تتحرك الي الامام علي الطريق الصحيح لكنه يستطرد قائلا "الا ان هذا التحرك يتم بالسرعة الخاطئة". وهناك كثيرون غيره من الشخصيات السياسية الاندونيسية الذين التقيت بهم أثناء زيارتي للعاصمة جاكرتا يشاطرون "العطاس" هذا الرأي ومنهم "زنوبه واحد" التي تقود الحزب الذي اسسه والدها الرئيس السابق لاندونيسيا عبدالرحمن واحد والتي تقول ان المؤشرات العامة للاقتصاد الكلي الاندونيسي مستقرة وجيدة لكنها لا تجد ترجمتها الي طعام علي مائدة المواطن الاندونيسي الفقير ناهيك عن طابور البطالة الطويل الذي يضم ملايين من الشباب والشابات. وهذه مشاكل حقيقية يستطيع الزائر الغريب -مثلي- ان يشعر بها من مجرد التجول في شوارع المدينة واحيائها الشعبية ورؤية ملامح وجوه الناس فانت تستطيع ان تشم رائحة الفقر هنا، تشم معه أيضا نسائم الحرية التي هبت علي هذا الارخبيل الذي يضم أكثر من 17 الف جزيرة. وللحديث بقية،،،