لوحة صغيرة تحمل 3 كلمات "الحرية - العدالة - المساواة" التي استبدلت لتحل مكانها الدولة المدنية هي أول ما لفت انتباهي حينما دخلت مكتبه في المنطقة الهادئة بالمهندسين التي ربما كما يعتبرها كثيرون تعكس شخصيته التي تميل للهدوء أحيانا. أسامة الغزالي حرب رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية ووكيل مؤسسي حزب الجبهة الديمقراطية يحمل الكثير من الأحلام الاقتصادية "الليبرالية" في برنامج حزبه الجديد ولكن يربط هذه الأحلام بتحول سياسي حقيقي. نحن لا نستطيع ان نتحدث عن تحول حقيقي وجاد نحو اقتصاد السوق الحر دون درجة عالية من سيادة القانون واحترامه هكذا استهل رئيس حزب الجبهة حواره ل"الأسبوعي" وتابع منذ السبعينيات دخلنا في مرحلة التحول من الاقتصاد الاشتراكي الي السوق الحر الذي يعتمد بالدرجة الاساسية علي القطاع الخاص ورغم مرور 30 عاما علي هذا التحول إلا أنه لم يتم بالشكل الواضح او المحدد الملامح ربما يكون هناك اكثر من مبرر لذلك يرصد د.الغزالي حرب قائلا: هناك سبب رئيسي وهو عدم وضوح استراتيجية التغير وخطواتها المحددة وأولوياتها لدي النخبة الحاكمة من ناحية ومن ناحية أخري افتقاد المناخ العام المستقبل لهذا التحول الذي لا تزال تسوده مشاعر متناقضة يغلب عليها الشك والرفض لهذا التحول والتخوف من عواقبه. ليس هذا فحسب في رأي الغزالي حرب وانما لا نغفل ان الاقتصاد الحر لا يعيش منعزلا عن سيادة القانون والقواعد القانونية الحاكمة للاقتصاد وسرعة البت في القضايا هذا من ناحية ومن ناحية أخري لابد ان يتسم المناخ السياسي العام بدرجة من الشفافية والوضوح بما يوفر درجة معقولة من الثقة للمواطنين ازاء القطاع العام للدولة. ويضيف رئيس حزب الجبهة: لا نستطيع ان نتخيل فاعلية لاقتصاد السوق بدون توافر القوة والكفاءة في معالجة الفساد الذي يمثل احدي المشاكل الحقيقية في وجه الاستثمار. الطوارئ، الفساد، الارهاب، أطفال الشوارع كلها عوامل دائما نعتبرها شماعة لفشلنا أجاب "الدكتور الغزالي" راداً علاقة القوانين الاستثنائية بالاستثمار.. وأوضح "لابد أن نعرف أن قانون الطوارئ هو آفة الاستثمارات الأجنبية فلا يعقل في ظل مثل هذه العوامل أن نشهد تحولا إلي القطاع الخاص فالاندماج في السوق العالمية لا يعتمد علي الاستثمار المحلي". إذا كان البعض يعتبر أن الرأسمالية الموجودة حاليا أسوأ من التي كانت قبل الثورة.. فإن الدكتور الغزالي له رأي في هذا الصدد يتمثل في أن التنمية الرأسمالية لها شروطها وهذه الشروط كما ثبت في العالم المعاصر اتجهت نحو التقليل من النواحي السلبية القديمة والتي تمثلت في استغلال العمال والتفاوت الطبقي الكبير فلا يمكن أن نتصور رأسمالية جادة وحقيقية ونحن في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين بدون مراعاة كاملة للبعد الاجتماعي المتمثل في حد معقول من احترام الكرامة الانسانية للعمال وقوانين الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية فضلا عن النظم النقابي والبعد عن سطوة الأجهزة البيروقراطية. ومن حق المشروعات الرأسمالية كما يشدد عليها رئيس حزب الجبهة أن تعمل في مناخ ملائم يسهل عملية العمل وتقليل القيود القانونية والبيروقراطية مع توافر آليات تشريعية وتنافسية تساعد علي النمو والازدهار دون عوائق. قاطعته متسائلا: تغيير مواد الدستور تم بشكل مرحلي وهناك بعض النصوص الاقتصادية تأخرت رغم أننا نتعامل بنظام الرأسمالية.. ألم تر في ذلك تناقضاً؟.. أجاب قائلا التغير الفعلي سبق بكثير التغير الدستوري الذي يعتمد علي النظام الاقتصادي وبالتالي جعل الدستور مختلفا عن الواقع فلا يعقل أن تشعر الاستثمارات الأجنبية بالأمان الكافي في ظل نظام اشتراكي". واستند "الغزالي" في هذا الصدد علي تجربة التعددية الحزبية التي سبقت تعديل الدستور في السبعينيات. ارتبط في أذهان المواطنين أن الخصخصة هي تشريد للعمال وأولادهم إلا أن الدكتور الغزالي يري أن يثق المواطن في النظام السياسي الذي قام بعمليات الخصخصة ويدرك أنها في مصلحته وأولاده ولن يتحقق ذلك إلا مع استمرار الشركات الخاصة في تحقيق مكاسب في ظل اتباع أقصي درجات الشفافية. وعن دور مجتمع الأعمال داخل الحزب الجديد يقول الغزالي حرب: دائما لرجال الأعمال دور مهم في الأحزاب حيث يساهمون في تنمية الحزب اقتصاديا ويعملون علي ايجاد فرص عمل للشباب ومكافحة البطالة واقامة المشروعات الصغيرة هذا حسبما يري رئيس الجبهة.. وتابع ان ذلك يتطلب تغييرا سياسيا حتي يتحقق الاصلاح الاقتصادي وهو شغلنا الشاغل. وقال ان الاولوية للاصلاح السياسي فنحن كحزب نؤمن انه اذا توافر نظام سياسي ديمقراطي حقيقي كامل فان ذلك يوفر مناخا افضل للعمل ولسيادة اقتصاد السوق بالمعني الحقيقي من خلال الشفافية والعمل علي كشف الفساد ومحاصرته حتي تتوافر جميع الظروف التي تتيح التنافسية وتجذب المؤسسات الاقتصادية الراغبة في الاستثمار بمصر. اما بالنسبة لازمة البطالة فيراها الدكتور الغزالي نتيجة ضعف التأهيل ووجود مئات الألوف من الشباب في المدارس والمعاهد والجامعات هي السبب الحقيقي، حيث ان سوق العمل يحتاج التدريب والكفاءة. وعلق الغزالي علي المؤشرات التي تعلنها الحكومة حول ارتفاع الاستثمارات الأجنبية والنمو الاقتصادي قائلا ان حجم الاستثمارات المتدفقة علي مصر أقل بكثير مما نحتاجه، ونأمله ولابد ان نصل إلي مرتبة الدول الآسيوية والافريقية وامريكا اللاتينية. وقد ثار جدل واسعاً حول الدعم النقدي والعيني وايهما افضل إلا أن الدكتور الغزالي يري ان ذلك يتطلب دراسة متأنية من الجهات المعنية بذلك وبحث ظروف المواطنين ووقتها يتم تنفيذ الاسلوب الأمثل. لقد تأخرنا كثيرا من بين دول العالم في التطور الاقتصادي.. بهذا لخص رئيس حزب الجبهة حالنا بين الدول في الصادرات، واضاف اننا اقل بكثير من دول اخري في عملية التصدير، وهذا لن يتغير إلا مع تغير النظام الحكومي. وقال إننا نتجه شرقا وغربا لفتح أسواق جديدة وهذا يتطلب الاجابة علي: ما الذي ننتجه وما الذي نستطيع تصديره، وما هي كميته نوعيته؟ والحقيقة ان انتاجنا أقل بكثير مما ينبغي ولابد ان يكون حجم صادرات مصر يساير حجم الدول الصناعية الكبري ايطاليا، فرنسا، ألمانيا. قاطعته متسائلاً عن حال الطبقة المتوسطة وما تتعرض إليه من تآكل ورؤية الحزب ازاءها.. فرد قائلا: الطبقة المتوسطة في مصر في تدهور رغم انها العمود الاساسي للحكومات منذ قرون طويلة، ففي الوقت الذي نجحت فئة من هذه الطبقة في التأقلم مع التطورات والتحولات الجديدة فشلت اخري واعتمدت لتحسين دخولها علي طرق يشوبها عدة المشروعية مثل المدرسين واتجاههم للدروس الخصوصية، والاطباء واعتمادهم علي العيادات الخاصة. نحن حزب ليبرالي يقوم علي الديمقراطية الحقيقية وليس الشعارات ونتبني سياسة الدولة المدنية التي تحقق الحرية والعدالة والمساواة بمفهومها الشامل، تلك هي الملامح الاساسية للحزب الجديد الذي يبشر بليبرالية قادرة علي تحقيق العدالة والمساواة وانصاف الطبقة الوسطي.. مع اعتماد الشفافية اسلوبا للتوصل إليها.