إنه بحق أسبوع الآلام للعاملين في بلاط صاحبة الجلالة في مصر والعالم العربي. والتقرير الأخير الصادر عن اتحاد الصحفيين العرب عن أحوال الحريات الصحفية في الوطن العربي يعتبر أن ذلك العام هو أسوأ عام بالنسبة للصحافة والصحفيين، فقد تم اغتيال أكثر من 75 صحفيا وإعلاميا في العراق، كذلك اغتيل عدد من كبار الكتاب والإعلاميين في لبنان كما اغتيل واختطف عدد من الصحفيين العرب والأجانب وهم يمارسون مهنتهم في غزة والضفة الغربية والجزائر واليمن، كما أن السجون العربية مازالت تفتح أبوابها علي الواسع لدعاة حرية الفكر والرأي والصحافة. ومعني ذلك أن حرية الصحافة تشهد نكسة خطيرة حتي بالنسبة للأعوام السابقة، ويأتي ما جاء في تقرير اتحاد الصحفيين العرب متوافقا مع تقارير دولية أخري صدرت في الأسابيع الماضية ومنها التقرير الذي أصدرته منظمة صحفيون بلا حدود عن أوضاع الصحافة في 160 بلدا منها عشرون بلدا عربيا، وهي تقارير تثير الأوجاع والآلام بل والآهات الحزينة حين تأتي حرية الصحافة في البلدان العربية في أدني المراتب الدولية وفقا لتقارير منظمات عربية ودولية. ومن أبرز النتائج التي توصلت إليها هذه التقارير رصد عدد من المؤشرات والعوامل التي تتعلق بحرية الصحافة وهي الفصل والسجن والاستدعاء من قبل الأجهزة الأمنية، وحجب المعلومات وسيطرة الدولة ودرجات الرقابة المتعددة المراحل امتداداً من رقابة الجهات الأمنية إلي رقابة رؤساء التحرير، إضافة إلي رقابة جديدة متخلفة تحاول فرضها في الشارع العربي الاتجاهات الدينية المتطرفة. واعتمد التقرير الدولي صحفيون بلا حدود عددا من المعايير الموضوعية لقياس درجة الحرية بالنسبة للصحفيين علي رأسها مدي سيطرة الدولة علي أجهزة الإعلام المقروءة والمرئية وقوانين النشر السائدة والموقف من العقوبات السالبة للحرية ثم مراكز الضغط الاقتصادية. والتقرير الذي اعتمد علي معايير موضوعية لقياس حرية الصحافة في 160 بلداً وضع جميع الدول العربية بل والإسلامية وبلا استثناء في ذيل القائمة واعتبرها الدول الأسوأ في مجال حرية الصحافة والرأي وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة من الناحية الكمية. فهو يضع بلدانا مثل سوريا وليبيا والسعودية وتونس والعراق في الأرقام العشرة الأخيرة في الترتيب باعتبارها من أكثر الدول قهرا لحرية الصحافة، حيث ترتبط الصحافة وأجهزة الإعلام في تلك الدول وبشكل مباشر بالسلطة وأجهزتها الأمنية بشكل خاص، بينما تجد بلدانا مثل الكويت والمغرب والأردن ومصر التي تحتل المركز ال 143 في مراتب متدنية قبل الأخيرة. وأشار التقرير إلي العراق بشكل خاص حيث سجل هذا العام أعلي رقم في مقتل الصحفيين والإعلاميين 75 صحفيا منهم حوالي 30 قتلوا كنتيجة مباشرة لرصاص أمريكي والباقون قتلوا علي يد الجماعات الإرهابية والمذهبية، أما من تعرضوا في العالم العربي لأشكال مختلفة من القهر من قتل وضرب وفصل وسجن وتعذيب ومنع عن الكتابة فيقدرون بالمئات، وغالبيتهم في دول العالم الثالث ودول الشرق الأوسط بشكل خاص حيث تسود النظم الفردية والدكتاتورية المعادية للحريات وحرية الصحافة بشكل خاص. فالمشاكل والمخاطر التي يواجهها الصحفي اليوم لم تعد تتعلق بالحكومات الدكتاتورية والكاتمة للحريات فقط، إذ ان الدور المتزايد التي تحاول أن تلعبه الصحافة في كشف الفساد السياسي والاقتصادي أكسبها عداء المافيا وجماعات الجريمة المنظمة وشرائح رجال الأعمال الفاسدين، وخاصة هؤلاء المتداخلين مع بعض أجهزة السلطة ورجالاتها في ظل استبداد الرأسمالية المتوحشة وقوانينها في فتح الأسواق بلا حدود والمنافسة المطلقة والشرسة بلا قواعد أو أخلاقيات أو قيود. كما أشار تقرير منظمة "صحفيون بلا حدود" إلي أن المخاطر التي تحاصر حرية الصحافة والصحفيين في العالم العربي لا تأتي فقط من ترسانة القوانين الكاتمة لحرية الرأي والتفكير والتعبير، بل إن هناك عاملين آخرين يلعبان دورهما في الحد من حرية الصحافة والرأي، وهما الاتجاهات الأصولية المتطرفة التي فرضت شكلا من أشكال التخلف الاجتماعي والفكري ورفعت شعار التكفير والقتل لكل من يخالفهم الرأي رافعين شعارات دينية تدغدغ مشاعر الجماهير المغيبة عن أي عمل سياسي أو اجتماعي. أما العامل الثاني فهو الاحتلال الأمريكي للعراق الذي أدي من الناحية الموضوعية إلي زيادة مساحة الأفكار الإرهابية ونزعات التسلط والهيمنة والتوتر مثلما هو الحال في لبنان وفلسطين واليمن والجزائر. أما التقرير السنوي للمنتدي العالمي للصحافة الذي صدر في أوائل مايو بمناسبة يوم الصحفيين العالمي، فقد أعاد تأكيد ما سبق ورددته بعض المنتديات العالمية والعربية المدافعة عن حقوق الإنسان بأن الصحفيين هم أكثر الفئات الاجتماعية تعرضا للقهر والمخاطر خاصة في المجتمعات المغلقة التي يوجد بها الكثير من المحاذير والخطوط الحمراء التي تحددها السلطات الحاكمة والمتحكمة. ويضيف التقرير حقيقة أخري جديدة وهي الارتباط الطردي بين نسبة التقدم في كل بلد والازدهار الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وبين مساحة الحرية المتاحة للصحافة ودرجة حرية الرأي والعقيدة الأمر الذي يعني أن حرية الصحافة لها أبعاد اقتصادية واضحة إضافة إلي أبعادها السياسية والاجتماعية حيث تساعد علي كشف الفساد وفضح ما يسمي بالاقتصاد الرمادي أو الاقتصاد السري غير المشروع مثل التهريب وغسل الأموال، والغش التجاري والتهرب من دفع الضرائب والسطو علي مدخرات البنوك وتجارة الجنس والمخدرات والأطفال. ومن المعروف أن هذا اللون من الاقتصاد الرمادي والأسود تصل نسبته في عدد من الدول العربية إلي آفاق مزعجة تتراوح من 30 إلي 40%، وهناك دراسات كثيرة في الجامعات المصرية لنيل الدكتوراه أو درجة الماجستير عن أحوال الصحافة والصحفيين ودورهم في كشف الفساد والمفسدين لعل من أهمها دراسة الدكتوراه الممتعة التي نوقشت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية حول الصحافة والفساد ونشرت في كتاب بعد ذلك. هذه الدراسات خرجت بنتائج ومؤشرات من أهمها أن الصحافة المصرية خاصة في العقدين الماضيين لعبت دورا أساسيا في كشف وفضح الفساد بجميع أشكاله وألوانه، واعتمدت الكثير من تحريات النيابة الإدارية والأجهزة الرقابية في قضايا الفساد الكبري علي موضوعات وتحقيقات ومبادرات قام بها صحفيون وكتاب في الصحف المصرية. ولا شك أن الصحافة المصرية كانت ومازالت تلعب دورا خاصا ورائدا بالنسبة للصحافة العربية، ولذلك تتحمل مسئولية كبري في تردي أوضاع حرية الصحافة، فالصحفيون المصريون هم أكثر الفئات المهنية ارتباطا بالهموم والقضايا الاجتماعية والقومية وهناك نسبة تتراوح بين 60 إلي 70% من الصحفيين المصريين تعرضوا طوال الخمسين عاما الماضية إلي شكل من أشكال الاضطهاد والقهر نتيجة عملهم ابتداء من السجن والاعتقال والفصل من العمل إلي الضرب والنقل إلي مهن أخري والمنع من الكتابة. ومع ذلك ولأنهم كذلك فهم يتحملون المسئولية الأكبر في تردي أوضاع الصحافة في العالم العربي.