محاربة الفقر في العالم عموما وفي البلدان النامية بوجه خاص عملية لها تاريخ طويل ومثير للجدل والانقسام، ولكن استخدام القروض الصغيرة أو المتناهية الصغر في محاربة الفقر صار أكثر الأشياء مدعاة للانتقاد من مختلف الاتجاهات. وتقول مجلة "نيوزويك" إن الأممالمتحدة سبق أن أعلنت عام 2005 عاما للقروض الصغيرة التي يتم تقديمها للمعدمين لاستخدامها في مشروعات يعولون بها أنفسهم. وفي عام 2006 حصل محمد يونس مؤسس بنك جرامين في بنجلاديش هو وبنكه علي جائزة نوبل حيث تعتبر تجربة بنك جرامين تجربة رائدة في هذا المجال، كذلك فإن كثيرا من حكومات العالم من البرازيل إلي البوسنة قد أقامت برامج مكثفة للقروض الصغيرة، كما هرعت بنوك تجارية مرموقة مثل بنك ANB أمرو وسيتي بانك وبنك HSBC إلي دخول ذلك السوق. وتقول الأرقام إن عدد المستفيدين من القروض الصغيرة بلغ حتي الاَن 500 مليون فقير في مختلف بلدان العام وإنهم حصلوا علي قروض حجمها الإجمالي 6 مليارات دولار وإن المأمول أن يصل هذا الرقم ذات يوم إلي 300 مليار دولار.. وثقة في هذه السياسة توقع محمد يونس أن أحفادنا سيحتاجون ذات يوم إلي زيارة المتاحف ليعرفوا ماذا كان يعني الفقر! وبغض النظر عن التفاؤل الشديد الذي يبديه يونس فإن الانتقادات تنهال اليوم من كل الاتجاهات علي استخدام القروض الصغيرة كسياسة لمحاربة الفقر.. فاليسار يري أن الفكرة تعد بمثابة خصخصة لشبكات الضمان الاجتماعي في حين يري المحافظون أنها مجرد عمل خيري أكثر من كونها مشروعا يتعامل بمنطق الربح والخسارة.. وهناك دراسات نشرها خبراء من العاملين في برامج القروض الصغيرة تكشف ضعف النتائج التي أسفرت عنها هذه البرامج. وعلي سبيل المثال فإن لويك سادوليت وهو اقتصادي سابق في البنك الدولي عمل في برامج القروض الصغيرة في جواتيمالا قال إن نحو 300 فقط من بين 25 ألف مقترض هم الذين نجحوا في الاعتماد علي أنفسهم فيما بعد بمعني أن مشروعاتهم قد نجحت وأصبحوا قادرين علي تغطية كل تكاليفهم وهي نسبة نجاح لا تتجاوز ال 12 في الألف. أما أكثر الدراسات الانتقادية إثارة للازعاج فهي دراسة أعدها معهد كاتو الأمريكي المحافظ تحت عنوان "إعادة النظر في القروض الصغيرة" وقد ذكر متحدث باسم دويتش بانك أن هذه الدراسة كادت تثير شجارا بالأسلحة البيضاء بين العاملين في مكاتب هذا البنك ومؤلف هذه المقالة أو الدراسة اسمه توماس ديتشتر وهو خبير في المعونات الدولية قضي 20 عاما من عمره في برامج القروض الصغيرة ورؤيته للأمر كله قاتمة، فهو يقول إن محاربة الفقر بالقروض سياسة اجتماعية رديئة، كما إنها استراتيجية رديئة للتنمية وهي أيضا مشروع رديء. فبعض المقترضين لا يخرجون أبدا من طاحونة الاقتراض والبعض الاَخر يبعثرون قروضهم في شراء سلع استهلاكية.. أما المقرضون القلائل القادرون علي الدفع فإنهم نادرا ما يساعدون الفقراء. ويقول ديتشتر إن المشروعات التقليدية التي تقام بهذه القروض الصغيرة لا تنجح، وإن المقرضين ربما يشعرون بالرضا عن النفس ولكن لا يوجد أي دليل حقيقي علي أن القروض الصغيرة تفيد في تنمية الاقتصاد أو تقليل الفقر. وتقول مجلة ""نيوزويك" إن الجدل حول القروض الصغيرة يحدث بين وجهات نظر متصادمة في كل شيء من تقدير سطوة المال إلي المعرفة بالطبيعة البشرية وإذا كان هناك إجماع علي شيء فهو الإجماع علي نقص البيانات الموثوق بها.. فلا أحد يعرف عدد المانحين للقروض الصغيرة ولا مدي تواصل عملهم ولا عدد زبائنهم وهل هم بالملايين أم مئات الملايين أم ماذا؟ إن بعض الدراسات توقعت أن يصل عدد الزبائن في المستقبل إلي 3 مليارات نسمة أي نصف تعداد العالم الاَن! ورغم أن الجميع تقريبا يتجادلون في الظلام فإن هذا الجدال لن يهدأ، فهذا هو يونس وأنصاره يرون أن القروض الصغيرة أنقذت الفقراء من الحاجة عن طريق تمكينهم من القيام بمشروع، ولكن المعارضين يرون أن معظم المشروعات الصغيرة بدأت بمدخرات شخصية أو بالاقتراض من الأسرة والأصدقاء وليس بالقروض الصغيرة من البنوك وما شاكلها، وقد نجحت مثل هذه المشروعات حتي قبل أن تلجأ للاستفادة من القروض الصغيرة.