ماذا بعد القمة العربية التي عقدت في الرياض واختتمت في 29 من الشهر الماضي والاعلان الذي تمخض عنها وركز في الاساس علي المبادرة العربية التي طالبت اسرائيل بالانسحاب الي حدود 1967 مقابل التطبيع الكامل معها، وبادئ ذي بدء لم يكن مستغربا موقف اولمرت منها، فرغم محاولته إبداء مرونة ما تجاهها مؤكدا بان مبادرة السلام التي اقرها الزعماء العرب في قمة الرياض يمكن ان تساعد في ايجاد قوة دفع ايجابية في المفاوضات مستقبلا الا انه عارضها عندما اوضح انها تنطوي علي مشاكل وان اسرائيل ليست علي استعداد للقبول بها. *اولمرت والمبادرة الأصلية... ليس بخاف من ان اولمرت ومن خلال المرونة التي يبديها يريد استدراج العرب الي خطوة اجراء تعديل في مضمون المبادرة بحيث يمكن لاسرائيل القبول بها. واحد اهم التعديلات التي تتطلع اليها اسرائيل اليوم تكمن في اسقاط بند حق العودة للفلسطينيين ويرتكز اولمرت في ذلك علي ان المبادرة العربية في اصلها - والتي كان الملك عبدالله بن عبدالعزبز قد طرحها عندما كان وليا للعهد - ولم تكن تتضمن بند حق العودة الذي اضيف فيما بعد عندما اعترضت سوريا واصرت علي اضافته وتم ذلك بالفعل في قمة بيروت لسنة 2002 وحظيت المبادرة بالمصادقة عليها من الدول العربية مجتمعة ولهذا رأينا اولمرت مؤخرا يرحب بالمبادرة السعودية الاصلية التي لم يرد فيها حق العودة ويبدي استعداده للاجتماع الي صناع القرار في السعودية لمناقشة الافكار التي طرحتها المبادرة الاصيلة وليست تلك التي تم تمريرها في قمة بيروت وسميت بالمبادرة العربية. *شطب حق العودة.. ايا كان ورغم ان اولمرت اكد استعداده اجراء محادثات مع السعودية ودول عربية اخري وصفها بالمعتدلة، واكد اعتقاده بامكانية التوصل لسلام شامل مع الدول العربية والفلسطينيين خلال خمس سنوات الا انه علق القبول بها والاستجابة اليها بتذليل المشاكل العالقة بها ويتصدرها حق العودة الذي تبغي اسرائيل شطبه كلية. *ايران وطوق النجاة.. وكأني بإيهود اولمرت يتشبث بمواقف اسرائيل السالفة ويرفض العرض الحالي ويتطلع الي ان يقدم العرب طواعية تنازلات للدولة اليهودية ويلعب اولمرت في ذلك علي وتر حساس يدعي معه بان العرب مجبرون اليوم علي الاقتراب من اسرائيل بعد ان تنامي الخوف من نفوذ ايران وقوتها في المنطقة وان هذا مادفع الدول العربية المعتدلة وفي مقدمتها السعودية لان تعيد حساباتها السياسية وتبادر بالاعتراف بوجود اقليمي جديد يضم اسرائيل التي اندمجت في المحيط العربي وصارت بمثابة طوق نجاة للعرب ضد ايران، ولايخفي فاسرائيل اليوم تستخدم ايران كفزاعة تخيف بها العرب وتري ان امتداد ايران واستشراء نفوذها الي هذا الحد كفيل بتشكيل لوبي مناهض لطهران من الدول العربي السنية وهو اللوبي الذي تأمل اسرائيل في ان يتعاون معها، *آمال اسرائيلية.. يبقي القول بأن ماجاء في المبادرة العربية عن حل متفق عليه بالنسبة القضية اللاجئين انما يعني ان اسرائيل هي التي تقرر اسقاط حق العودة وقد تراهن علي امكانية ان يتنازل العرب عنه في اية مفاوضات قد تعقد معهم ماداموا مستعدين لطرح الموضوع علي طاولة المفاوضات من اجل التوصل الي السلام. *إسرائيل لاتريد السلام.. عودتنا اسرائيل علي انها لاتعطي شيئا وانما تحصل فقط علي التنازلات من الآخر كما انها ليست جادة في وعودها بالاضافة الي انها خصم مساوم عنيد في اي مفاوضات تخوضها مع العرب وقد رأينا كيف كان اداؤها ومازال منذ ان احتلت الارض العربية وسلبت ثرواتها ودمرت بنيتها التحتية ونكلت بالفلسطينيين وصادرت الاراضي وكثفت الاستيطان.. اسرائيل ليست جادة اطلاقا في تمرير اي وعد بتحقيق السلام فكل ما تمارسه يؤكد علي حقيقة واحدة هي انها لاتريد السلام فالسلام غير موجود علي اجندتها. *وعد بوش.. ولعل الدعم الامريكي هو السبب الرئيسي الذي شجع اسرائيل علي ان تتمادي في التشدد ودعاها الي رفض مايطرح عليها دائما من قبل العرب، فلا يمكن ان ننسي ان الموقف الاسرائيلي الحالي الذي يرفض العروض العربية يستدعي لنا وعد بوش لشارون عندما زاره في واشنطن في 14 ابريل لسنة 2004 ويومها منحه رسالة ضمانات كانت ترتكز علي نقاط هامة اولها ان اسرائيل في حل من الانسحاب حتي حدود 1967 وفي حل من الانسحاب من القدس وفي حل من وقف الاستيطان بالاضافة الي اسقاط حق العودة للفلسطينيين وهو الوعد الذي امتد الي اولمرت وبالتالي لن يكون متصورا ان يخرج عن اية صياغة خارج تلك الضمانات الامريكية وماكان يمكن لاسرائيل ان تقبل اليوم مارفضته من قبل سنة 2002 خاصة بعد رسالة الضمانات التي منحها بوش لها واعفاها بواسطتها من تنفيذ قضايا الوضع النهائي الخاصة بالحدود والقدس والاستيطان واللاجئين ولهذا تعول كل من امريكا واسرائيل اليوم علي ان يجري تعديل للمبادرة العربية بشكل يتفق ومطالب اسرائيل وقد تظهر تباشير ذلك في الاجتماعات المزمع عقدها علي مستوي اللجنة الرباعية الدولية (امريكا - روسيا - الاتحاد الاوروبي - والامم المتحدة) ومشاركة السلطة الفلسطينية واسرائيل - وقد تضم الاجتماعات اللجنة الرباعية العربية (مصر - السعودية - الاردن - الامارات) والثابت ان اسرائيل لا ولن تتخلي عن الضمانات الامريكية في هذا الصدد...