مع تزايد الأدلة علي حدوث انفجار وشيك لفقاعة سوق الإسكان في الولاياتالمتحدة، حيث تفاقم هذا الوضع بفعل التباطؤ الذي يشهده القطاع العقاري الأميركي، والتمويل، وبالتالي التباطؤ في الطلب الاستهلاكي، نجد أن عددا متزايدا من المحللين أظهروا تفاؤلا بأنه في هذه المرة، ستتمكن بقية دول العالم من تفادي الاعتماد الكلي علي الإنفاق الأميركي. وكانت مجلة ايكونومِست قد أوردت في إحدي مقالاتها أن '' النمو الاقتصادي العالمي قد أصبح أقل اعتمادا علي الإنفاق الأميركي''، بينما أشارت صحيفة انترناشيونال هيرالد تريبيون إلي أن '' العديد من الاقتصادات تحاول أن تفطم نفسها عن الاعتماد علي المستهلك الأميركي''. وفي آسيا، يذكر أن النمو القوي، الذي تراوح من 8 الي 10 %، في الاقتصادَين الصيني والهندي في الأعوام القليلة الماضية قد أضاف مزيدا من الثقة والوفرة المادية . وبالرغم من ذلك، نجد أن نتائج فحص جميع الأدلة المتاحة، وخصوصا في الأسواق الآسيوية، تُظهر أن الحُجّة في هذا السياق تعد باطلة من الأساس، الأمر الذي أدي الي إشارة الأستاذ الجامعي فريدريك وفي مقالته التي نشرتها مجلة بزنس ويك، أن الولاياتالمتحدة ستظل القاطرة الاقتصادية البديلة لآسيا في المستقبل القريب. مجالات التحسن يذكر أنه بالرغم من '' النصر الاقتصادي الهندي '' الحالي، فمن المعتقد أن يستغرق الأمر فترة زمنية طويلة قبل أن تتمكن الهند من التحول الي محرك النمو الأساسي لجيرانها من الدول الآسيوية* وعدا بعض المجالات والقطاعات القليلة في عالم الاقتصاد- كقطاع تكنولوجيا المعلومات وقطاع الخدمات التي تم اختراقها بفعل العولمة، فإن أغلبية مجالات الاقتصاد الهندي، كما يقول البروفيسور فريدريك وو، لا تزال بحاجة الي المزيد من التنظيم* وفي تقرير صدر مؤخرا من قبل البنك الدولي، بعنوان '' الاستثمار في جنوب آسيا 2007 ''، جاءت الهند في المرتبة 134 من بين 175 دولة في قائمة بيئة العمل المحسنة. علاوة علي ذلك، يذكر أن في الهند الآن ما يزيد علي 300 مليون هندي يعيش في فقر مدقع، وحوالي 10 % من العمال الهنود يعملون في قطاع الاقتصاد الرسمي، كما تصل نسبة الامية الي 35 % من التعداد السكاني الهندي. أما الصين، فقد ساهم كل من التوسع الاقتصادي الذي تراوح بين 9 و 10 % في الأعوام الخمسة الماضية، وارتفاع نسبة الاستثمار والفائض التجاري، وتوطد العلاقات التجارية بينها وبين اقتصادات بقية دول المنطقة، قد ساهم في ارتفاع نسبة النمو الاقتصادي في الدول المجاورة. إلا أن الاقتصاد الصيني بحد ذاته عُرضة لفترات متكررة من التدهور الاقتصادي، وبالتالي الافتقار الي الاستقرار الاقتصادي التام* وكان صندوق النقد الدولي وبنك التنمية الآسيوي قد حذرا من أن الاقتصادات الآسيوية والدول المصدرة للبضائع والسلع والتي تربطها علاقات استثمارية وتجارية قوية مع الصين ربما تعاني بدرجات متفاوتة من الأضرار الاقتصادية الجانبية بفعل تدهور الاقتصاد الصيني. الطلب الأميركي الجدير بالذكر أن الصين لا تزال تعتمد علي السوق الأميركية، ففي عام 2005- بلغ إجمالي الصادرات الصينية الي الولاياتالمتحدة حوالي 21,5 % من إجمالي صادرات الصين الي العالم، أي ما يقرب الربع تقريبا. وبالرغم من أن البلدان الآسيوية الأخري قد أصبحت أقل اعتمادا علي السوق الأميركية، فإن الولاياتالمتحدة استوعبت في العام الماضي حوالي 10,4 % من إجمالي الصادرات السنغافورية، وحوالي 20 % من إجمالي الصادرات الماليزية. علاوة علي ذلك، فإن الصادرات الي الولاياتالمتحدة تمثل نسبة 20 % أو أكثر من الناتج الإجمالي المحلي لكل من هونغ كونغ، ماليزيا وسنغافورة* وتُعَدّ النسب الخاصة بكل من الصين وتايوان وتايلاند أقل، إلا أن متوسط نسبة الصادرات للولايات المتحدة تتراوح ما بين 7 و 10 % من إجمالي الصادرات الكلي لتلك البلدان. كما أنه بالنسبة لكثير من الدول الآسيوية، فإن ازدياد نسبة الصادرات من المكونات وقطع الغيار الي الصين لتجميع المنتجات النهائية يعتمد كذلك علي الطلب في السوق الأميركية. وبنفس القدر من الأهمية، فإن الولاياتالمتحدة تعد ثاني أكبر دولة بعد الفلبين في قائمة الدول الأجنبية المستثمرة في العديد من الدول الآسيوية. وبالنسبة لكل من ماليزيا، كوريا الجنوبية، تايوان، الفلبين، تايلاند وسنغافورة، فإن نسبة لا تقل عن 25 % من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في العام ،2005 كان قادما من الشركات الأميركية. وبعيدا عن الهبوط المفاجئ في الاقتصاد الأميركي، فإن الاستثمار الأجنبي الخارجي المباشر في المنطقة يسبب ضررا بارزا لمعظم الاقتصادات الآسيوية، الأمر الذي ينتج عنه تقلص كبير في حجم الوظائف الشاغرة. ليس هذا فحسب، بل إن اتجاهات الدولار الأميركي تؤثر كذلك في العديد من الاقتصادات الآسيوية. ويقدّر أن البنوك المركزية الآسيوية الرئيسية قد حصدت احتياطيا ضخما من النقد الأجنبي تجاوز 3 تريليونات دولار أميركي. وتم استثمار نسبة كبيرة من هذا الاحتياطي بالدولار الأميركي في الأصول المالية. ومن المعلوم أن هبوطا حادا في سعر الدولار الأميركي من شأنه أن يقلص من قيمة ذاك الاحتياطي. كما أن انخفاضا في قيمة الدولار الأميركي يؤدي الي ارتفاع أسعار الواردات في الولاياتالمتحدة، وبالتالي قلة طلب المستهلك. وهذا بدوره يحدّ ويؤثر سلباً علي دخل الصادرات، وبالتالي علي الاقتصادات الآسيوية. وبعد كل تلك المعطيات، فإن الثروات الاقتصادية لكل من آسيا والولاياتالمتحدة ستبقي مرتبطة ومتشابكة وفي جدل مستمر حتي يتمكن الاقتصاد الهندي والصيني، والآسيوي بشكل عام من التقدم في المجال الاقتصادي بحيث يعتمد نموها الاقتصادي علي الاستهلاك المحلي، والاستثمار، والابتكار والإبداع، فضلاً عن ارتفاع مستوي التعاون التجاري القوي بين بلدان المنطقة.