المكان: المكتب البيضاوي في البيت الأبيض في العاصمة الأمريكيةواشنطن. الزمان: ساعات بعد الإعلان عن نتائج انتخابات الكونجرس وفوز الحزب الديمقراطي بأغلبية المقاعد. الحاضرون: وزيرة الخارجية وقد بدت مشدودة إلي التليفزيون تتابع النتائج المحزنة.. والناطق الرسمي سنو الذي وقف خلفها بقليل.. وبوش الأب الذي تهالك علي كرسي قرب الباب وبدا كأنه يحادث أشباحا لا يراها سواه. دخل دابليو كالعاصفة واتجه ناحية النافذة المطلة علي الحديقة صارخا فجأة: ألم أقل كوندي إننا ذاهبون إلي الخسارة؟ لا يكفي أن يقول فرنانديز إننا متغطرسون وأغبياء في العراق حتي يضيف ديك إننا محترفو تعذيب.. فكيف تريدين أن يصوّت لنا الناس؟ لو كانا يكذبان لهان الأمر ولكنهما يفسدان السياسة يا كوندي.. إنهما يقولان الحقيقة.. فكيف أثق فيهما بعد ذلك تهدج صوته مع الكلمات الأخيرة فأسرعت كوندي تهدئ من روعه: سنو قال إن كلام فرنانديز أسيئت ترجمته يا سيدي.. اعترض بوش ساخرا: كيف والرجل تكلم بالعربية؟ فقالت كوندي موضحة: أقصد أساء ترجمة أفكاره إلي كلمات.. آه.. هز دابليو رأسه مرات وقد راقته الفكرة.. برافو.. وماذا عن ديك؟ قال سنو بسرعة: شرحت للجميع وبكل اللغات أنه لم يقصد التعذيب بل كان يقصد "التحقيق الرجولي" علي غرار اللعب الرجولي في ملاعب البيزبول.. أعجب دابليو بالفكرة وخاصة بكملة بيزبول، فهبط علي ظهر الناطق الرسمي بصفعة أبوية تهد الجبال: رائع يا سنو.. ولكن لماذا خسرنا الانتخابات علي الرغم من ذلك؟ صمت فجأة وكأنه تذكر شيئا ثم اتجه من جديد ناحية مكتبه وجلس علي الكرسي هامسا وكأنه يحدث نفسه: أريد انتصارا يا كوندي.. أريد انتصارا في العراق.. تنحنحت جوهرة الخارجية السوداء وهمست متلعثمة: المشكلة يا فخامة الرئيس أن.. قاطعها دابليو صارخا: اللعنة يا كوندي.. أريد كذبة جديدة تشرح الصدر فلا تحدثيني عن مشاكل.. ليتني لم أطرد كولن.. كان بارعا وهو يبيع حكاية أسلحة الدمار الشامل للسذج.. وأنت يا داد؟ ألا تساعدني بفكرة؟ قال دابليو هذا الكلام ملتفتا ناحية أبيه دون أن يبدو علي هذا الأخير انه انتبه إليه.. أصحاب الألسنة الطويلة يؤكدون أن دابليو فعل كل ما في وسعه في البداية كي لا يظهر والده في الصورة.. ثم مرت الأيام وأصبح الرئيس الجديد يدعو أباه بمناسبة ودون مناسبة.. الأمر الذي جعل نفس أصحاب ألسنة السوء يزعمون انه يثأر لنفسه.. وكأنه يقول له: ما رأيك الآن؟ ها أنا أنجح حيث فشلت. طبعا لم يكن هذا غائبا عن أذهان البطانة الرئاسية.. خاصة ديك تشيني ودونالد رامسفيلد وكوندي التي تعرف كل شيء.. ولكنهم كانوا يتصنعون عدم الانتباه. ويقول مروجو الشائعات ومحترفو التنكيت علي شبكة الانترنت ان دابليو ظل ينظر ناحية أبيه للحظات.. ثم ضرب فجأة علي المكتب بقبضة يده صارخا: يبدو أني لم أسأل الشخص المناسب حين طلبت من لولا دا سيلفا رئيس البرازيل وصفة لكسب الانتخابات.. ما رأيك في أن أسأله رئيس الصين؟ ما اسم رئيس الصين الحالي؟ اجابته كوندي: Hu.. وكان ذاك اسم رئيس الصين "وينطق هو" لكن التشابه في النطق مع كلمة Who جعل الأمر يلتبس علي دابليو.. لماذا تعيدين علي السؤال؟ هل سمعتني؟ اجابته كوندي: Yes Sir فأخذ الرئيس يغمغم: ياسر؟ ياسر عرفات؟ أليس هو نفسه الذي توفاه الرب؟ Yes Sir.. حسنا دعينا من "ياسر" الآن وقولي لي ما اسم رئيس الصين الجديد؟ كررت كوندي: "هو.." وهنا نفد صبر الرئيس فصرخ في وزيرته: اطلبي لي الأممالمتحدة فهم يعرفون اسماء الجميع.. رفعت كوندي السماعة وسألته قبل ان تجمع الرقم: هل اطلب Kofi؟ تقصد كوفي عنان.. لكن الرئيس فهم أنها تطلب له Coffee فانفجر في وجهها: ما هذا يا كوندي؟ هل هذا وقت مناسب؟ أسألك عن رئيس الصين فتقولين لي ياسر.. واطلب الأمين العام فتطلبين لي قهوة.. ثم يستغرب العالم بعد ذلك كيف لم انتصر في العراق وكيف خسرت الانتخابات؟ ألقي دابليو الأوراق من يده وخرج من المكتب لا يقوي علي شيء.. وتبعته كوندي مسترضية وهي تكاد تتعثر في السجاجيد الوثيرة.. ولم ينتبه اي منهما إلي سنو الذي ظل واقفا في مكانه والي جورج الكبير الذي نهض بعد لحظات واتجه ناحية الباب، فالتحق به سنو وأسنده في الطريق الي الحديقة. منذ سنوات وبوش الاكبر يعاني الامرين ويكتم في صدره ما لا طاقة به لبشر.. انه يعرف ابنه جيدا.. ولكنه ابنه.. ماذا يفعل؟ والنتيجة: أسلحة نووية تنذر بالويل ومقاومة تزدهر وإرهاب يتصاعد وعالم يزحف نحو التسلح من جديد بينما تعود الولاياتالمتحدة الي أجواء الماكارثية وتنافس جمهوريات الموز في تشجيع الطغيان والاعتداء علي حقوق الإنسان والتلاعب بالقوانين وتشريع السجون السرية والمحاكمات التعسفية والتعذيب. هذه كلها شائعات ولا شيء منها صحيح.. لا شك في ذلك.. لكن الناظر الي جورج الاكبر سرعان ما يري انه شاخ خلال سنوات حكم ابنه أكثر مما شاخ طيلة عمره.. ويقول مروجو الشائعات ومحترفو التنكيت علي شبكة الانترنت انه يفكر أحيانا في عقد ندوة صحفية مع أحد كهان الكنيسة للاعتذار للشعب الأمريكي ولشعوب العالم وللرب نفسه عن كونه أنجب مثل هذا الابن.. كما يقولون انه سأل سنو حين وصلا الحديقة ان كان والد هتلر حيا حين ارتكب هتلر جرائمه؟ فأجابه سنو إنه لا يعرف.. فقال دابليو والعهدة علي الرواة: "هنيئا له يا عزيزي إذا مات قبل أن يري جرائم ابنه" ثم وقع مغشيا عليه. ويقال والعهدة علي الراوي ان سنو سارع بطلب الاسعاف وظل هناك حتي غادر الطاقم الطبي المكان بصحبة الرئيس الشيخ.. ثم رأي فجأة شيئا يلمع حيث وقع العجوز فإذا هو قلادة كانت في عنق الأب الرئيس تتدلي منها نسخة مصغرة من الكتاب المقدس.. فتذكر عقيدة الثالوث الاقدس التي ظهرت منذ القرن الرابع والتي تتحدث عن الأب صاحب العظمة الابدية والابن الذي تجسد في يسوع الناصري والروح القدس. وعندئذ خطر له أن كل ثالوث مقدس يقابله في الأرض ثالوث مدنس.. وخاصة في السياسة.. فتساءل في سره من يكون الأب في هذه السياسة البشعة ومن يكون الأبن؟ ومن يكون الوسواس الذي ينخر في قلوب المواطنين من يكون راسبوتين هذه الدولة؟ من يكون روحها الدنس؟