كأنه "خرابة سياسية" مطلوب اعادة تأهيل جهازها البشري من الصفر، وإلا هلك صاحب البيت وحزبه.. انه البيت الابيض رقم 1600 بنسلفانيا افينيو، واشنطن (D.C)! لهذا غير بوش رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض، وجاء جوش بولتن ليشغل المنصب الرفيع، ويقوم بهذه المهمة المستحيلة! لكن بولتن جمع جميع مساعدي الرئيس في اول نهار له في المنصب.. وابتدرهم بحسم: "أمامنا 1000 يوم لننجز هذه الوظيفة".. وضع لهم قواعد جديدة للعمل.. أنذرهم بأن ثمة تغييرات محبطة (discomfiting) سيتم اتخاذها فورا.. اصدر قرارا فوريا بفصل عدد من بلديات الرئيس وانصاره من تكساس! اقام مقصلة إدارية لكل اعمال التراخي والتردد في الحسم! أهم من مهلة ال1000 يوم التي وضعها بولتن والتي تنتهي بمغادرة الرئيس للسلطة، هي مهلة الثلاثاء 7 نوفمبر - التجديد النصفي للكونجرس - والتي تهدد الحزب الجمهوري الحاكم بفقدان الاغلبية في السلطة التشريعية.. يؤكد احد مستشاري الرئيس هذا النظر، بعبارته: "إن لم نحتفظ بالكونجرس لن يكون للرئاسة والحزب الحاكم أي إرث سياسي.. ولن يبق لنا إلا تلبية استدعاءات التحقيقات التي سيطاردنا بها الحزب الديمقراطي الفائز، والتكالب علي المزايا التنفيذية"! لكن الكل يجمع علي ان اصلاحات بولتن جاءت متأخرة.. لذلك يسابق الرجل الزمن لاعداد حملة يستغرق تنفيذها 6 أشهر متعاقبة، يحقق بها نتيجتين: وقف نزيف الحزب الجمهوري وتدهور موقفه السياسي.. وانتاج انجازات مرموقة تسند ايام "البطة العرجاء" التي يعيشها بوش الآن في البيت الابيض! ويتكتم بولتن وضع خططه في اعتام تام.. لكن اصدقاءه المقربين يرددون انه وضع خطة للاصلاح الشافي (recovery plan) من 5 نقاط.. هدفها رفع نسبة بوش المتدنية في قياسات الرأي العام بالتدريج وليس طفرة.. وطمأنة رموز الحزب الجمهوري الذين تمردوا عليه وسادهم السخط والنفور حتي لا يصيبوا الحزب والرئاسة في مقتل عندما تجيء انتخابات نوفمبر! وتعني خطة الاصلاح الشافي بالمستثمرين، وكل قاعدة الحزب الجمهوري من اهل الاستثمار والمتعاملين مع بورصة وول ستريت.. هؤلاء تتملقهم الخطة بنص ضريبي خاص مازال في انبوب التشريع، يمد خفض اسعار الضريبة الي حصص ربحية الاسهم والعوائد الرأسمالية.. احد مستشاري الرئيس بوش يعلق: "نريد من كل عروض المال والاستثمار علي شبكات التليفزيون الامريكي ان تتحدث عن عظمة الاقتصاد.. وهذا لن يتسني الا اذا كان المتحدثون في هذه البرامج من خبراء وول ستريت"! احتمال قائم.. ومستبعد معا! وتعني خطة الاصلاح الشافي بجوانب اخري من عالم الاقتصاد الامريكي.. منها: اسعار البنزين المرتفعة التي احرقت جانبا عظيما من شعبية بوش.. التركيز في ميديا الاعلام علي سوق المال القوي في وول ستريت.. واسعار الفائدة ومعدل التضخم المنضبط.. ايضا اخبار العراق السارة بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية.. لتجفف آثار طوفان الاخبار المزعجة عن الحرب الاهلية الوشيكة! اكثر مواقف بوش حرجاً هو: موقفه الامني.. فشل امني تام في العراق.. وتهديد بفشل اكثر جسامة يلوح في الافق مع ايران! ويعتقد مستشارو الرئاسة ان بوش بمزيد من الضغط علي ايران يمكنه ان يعيد تأهيل نفسه وموقفه الامني.. ويقفز احد مستشاريه الي الجانب الآخر من الصورة في نظرة مقارنة: "في مواجهة التهديد الايراني، لا يمكن ان يكسب الديمقراطيون"!.. لكن قياسا للرأي اجرته لوس انجليس تايمز - 11 ابريل الماضي - جاء فيه ان 54% لا يثقون في بوش ولا في قدرته علي اصدار قرار صحيح فيما: "اذا كنا نذهب للحرب ضد ايران"! ملاحظة غاية في الأهمية يبديها قدامي رجال البيت الابيض من الجمهوريين، يقولون ان اصلاحات جوش بولتن المبدئية قد ساعدت في حلحلة جمود البيت الابيض والمزاج العام فيه.. لكنها لم تتغلغل الي الاعماق.. والسبب ان صانعي مفاتيح الاصلاح بمن فيهم بولتن وكارل روف عاشوا في فقاعة جورج بوش اكثر من 6 سنوات: أين كان التجديد؟ أين اختفت البصيرة وبعد النظر؟! صديق لبوش وصف موظفي هيئة البيت الابيض بأنهم معزولون (insular).. معوقون بما يصفه انه عجز عن التعليق والسمو.. ويضيف ساخرا: "علي بولتن ورفاقه ان يثبتوا انه رغم كونهم من قدامي رجال البيت الابيض، فان عليهم ان يحلقوا بمقر الرئاسة الان في الاجواء السياسية الداخلية منها، والدولية"! .. وهو عبء ثقيل.. واحتمال قائم ومستبعد معا!! أعجب من العجب! أخطر شخصية في البيض الأبيض، وأكثرها ظهورا علي شاشات شبكات التليفزيون الامريكي - بعد الرئيس - هو المتحدث الرسمي باسمه.. اختار بوش وريثا لسكوت مكليلان المتحدث الرسمي السابق هو: توني سنو - 50 سنة - المعلق الشهير بشبكات راديو وتليفزيون فوكس.. وكاتب احاديث الرئيس بوش الاب سابقا.. وصاحب العمود الشهير في صحيفة (U . S . AT oday).. وقد تسلم عمله بالفعل في البيت الابيض هذا الاسبوع، في مفاجأة اذهلت الجميع! معلوم ان سنو من اكبر نقاد بوش وسياساته.. في اعمدته الاخيرة بال"يو. اس. ايه" ردد معاني نقدية جارحة.. منها: ان البيت الابيض في فترة رئاسة بوش الثانية، فقد النشاط والحيوية والاتجاه (Verve and direction)! وفي عمود استفزازي آخر بعنوان "ضربة" (Thud) نعت سياسة بوش الداخلية كما جاءت في خطابه الاخير عن "حالة الاتحاد" بانها باهتة يعوزها البريق (lackluster)؟! وهكذا توني سنو، صنع شهرته في مجال الاعلام عبر شخصية مستفزة ومحرضة! اعجب من العجب اختيار الرئيس بوش لشخصية المتحدث الرسمي باسمه.. احد مستشاريه يحلل سر هذا الاختيار: "انه يتمتع بفهم عال لفنون الصحافة والراديو والتليفزيون، وعلي صلة جيدة بالجهاز الحكومي، ورموز الصحافة والاعلام واصحاب المقاعد الدائمة في غرفة الاخبار المتاخمة للمكتب البيضاوي بالبيت الابيض"! في اول لقاء له مع بوش فور اعلان خبر تعيينه للمنصب، قال له الرئيس: "سوف يكون لك مقعد علي مائدة الحوار اليومي مع كبار المستشارين والمساعدين.. مع تسهيلات تامة لحرية وصولك الي ما تشاء من المعلومات"! واضاف بوش: "ان واجبي الوظيفي ان اتخذ القرارات.. وواجبك ان تشرح تلك القرارات وتوضحها لاجهزة الصحافة والاعلام.. وللشعب الامريكي"! جاء اختيار توني سنو بترشيح خاص من جوشوا بولتن رئيس هيئة موظفي البيت الابيض كمربع من مربعات خطته لانقاذ اجندة بوش في فترة رئاسته الثانية! سنو - ياولداه - اصيب اخيرا بسرطان في القولون .. استأصلوه، وخضع فترة لعلاج كيماوي.. قبل ان يقبل عرض البيت الابيض كمتحدث رسمي، التقي خبير الاورام الذي اجري له الجراحة.. استشاره: المنصب منهك مرهق (grueling) ويمكن ان يأكلني حيا؟! اجابه الطبيب بابتسامة مطمئنة: ولا يهمك.. المنصب متاعبه محتملة، مهما كانت.. ثم انه لن يصيبك بسرطان القولون مرة اخري!!