في بيت صغير من الطوب الأحمر بميت غمر يسكن المفكر العمالي عطية الصرفي عضو حركة كفاية إلا أنه يحتفظ في صدر منزله البسيط بكنزه "الصغير" لكن الثمين الذي خرج به من مشوار عمره الذي تجاوز الثمانين عاما وهو مكتبته الزاخرة بموسوعات السياسة والفلسفة والتي اعتني بتجليدها وطباعة اسمه عليها معنونا بلقبه المفضل "عامل" والذي يرفض أن يلقب بسواه علي الرغم من أن له ستة عشر مؤلفا تركز اغلبها حول القضايا العمالية إلا أنه يبرر ذلك بأنه علي مدار مشواره الفكري لم يحصل علي شهادة رسمية سوي الشهادة "الالزامية" واعتمد في بقية حياته علي أن يعلم نفسه بنفسه.. "الاسبوعي" حاورت المفكر اليساري والقيادي بحزب التجمع عطية الصرفي حول رؤيته للحركة العمالية اليوم في ظل موجة الاضرابات المتصاعدة وسيناريوهات مستقبل القضية العمالية التي يقود حركتها الاضرابية منذ حقبة ما قبل ثورة يوليو، ومستقبل العلاقة بين العمال ورجال الاعمال وكيف يمكن التوفيق بين الطرفين للخروج باقتصاد وطني مستقر، والصرفي يقدم في الحوار التالي شهادة علي ثلاثة عصور تغير فيها دور الدولة إلي حد النقيض. * اضراب عمال غزل المحلة كان البداية لسلسلة من الاضرابات التي شغلت الرأي العام فما هو مدلولها من وجهة نظرك؟ ** هو تعبير عن "الوجع" الاقتصادي الذي اصاب العمال والمواطنين بشكل عام والاحتجاج قد يبدأ ب"اَهة" ثم "تأفف" ثم "اضراب" ثم مظاهرة ثم ثورة والطبقة العاملة هي الطبقة الوحيدة التي تستطيع أن تمارس كل اشكال الاحتجاج التي ذكرتها من خلال تجمعات العمل لذلك كانت تعبر عن نفسها وأريد أن أشير إلي أنني حزين حقا بسبب التعليقات التي تقول إن صعود الاضرابات هو نوع من التخريب للاقتصاد، هذا غير صحيح، أولا الاضراب ليس شيئا دخيلا علي المجتمع المصري فالاضراب في العالم جنسيته مصرية لأن أول الاضرابات ظهرت في العصر الفرعوني وبالتحديد في مدينة "الرمسيوم" بسبب تأخر الأجور عن العمال وكان لهذا الاضراب بعدا مهما حيث ذكر محضر الشرطة الفرعونية الذي حقق مع العمال انذاك بالنص "اخبر الفرعون أن موقفه في خطر" وبهذا نقلب الاضراب من اضراب مطلبي إلي اضراب سياسي، ثم إن مصر لها خبرة طويلة في الاضرابات في تاريخها الحديث اكسبت الاضراب المصري نضجا كبيرا فالاضرابات التخريبية التي يتحدثون عنها كانت ايام محمد علي وهي تسمي "بالاضرابات المراهقة" حيث قام العمال بتخريب الالات والمصانع ثم تطور الاضراب في مشروع حفر قناة السويس وكان هذا الاضراب ناضجا لأن من قاموا به كانوا جنودا يعرفون معني النظام ثم دخلت الثقافة الأوروبية علي الاضراب المصري في عهد الخديوي اسماعيل من خلال اضراب سائقي السكة الحديد الأجانب. * ولكن الاضراب العمالي تعطيل للعمل ويؤثر علي الانتاج ** هذا غير صحيح فالاضرابات العمالية في التاريخ المصري كانت اداة للبناء فالنقابات العمالية انبثقت من الاضرابات حيث كان قادة الاضراب يؤسسون نقابة وكانت أول نقابة تؤسس بهذه الطريقة نقابة عمال السجائر في نهاية القرن التاسع عشر علاوة علي أن الاضرابات العمالية بعد الحرب العالمية الأولي كانت الدافع وراء قيام ثورة 1919 كما أن أول تقنين للنقابات نفذ في عهد حكومة الوفد في الاربعينات استجابة لضغوط النقابات العمالية وكذلك تشريع قانون عقد العمل الفردي في عام 1944 والحق أن الوفد كان أكثر الحكومات الليبرالية التي حققت مطالب العمال. * ولكن هناك البعض يربط بين الاضرابات العمالية الأخيرة وبين الصحوة السياسية التي شهدتها مصر في الفترة الأخيرة.. فمن السبب الاساسي في هذه الاضرابات الاقتصاد أم السياسة؟ ** أنا أري أن الضغوط الاقتصادية هي العنصر الاساسي الذي أوصل العمال إلي حد الهوس وإن كانت التظاهرات تحمل شيئا من الاعتراض علي سياسة الخصخصة علاوة علي أن بعض العناصر اليسارية شاركت فيها ولكن المشكلة أن هناك انفصالا كبيرا بين المثقفين والعمال فالحركات السياسة التي ظهرت مؤخرا مثل كفاية كانت حركات نخبوية وأقول لهم وأنا عضو في هذه الحركة إن ثورة النخبة "نارها قش" علاوة علي أنهم ليس لهم خطاب موجه للجماهير العمالية وهؤلاء السياسيون لم يتعلموا من التاريخ ففي حقبة ما قبل الثورة كانت هناك تعددية واسعة فالوفد اتجه لتأسيس نقابات تابعة له وكذلك الاحرار الدستوريون وغيرهم لأنهم كانوا يعلمون أن هذه النقابات تضم جماهير غفيرة وهي التي تستطيع من خلالها أن تحقق تغييرا حقيقيا، فأنا أقدر جدا كفاح هذه الحركات من أجل "الحرية" ولكنهم لم يهتموا ايضا بالكفاح من أجل "الخبز" بالقدر الكافي.