قيمة أحمد الجمال ليس لأنه نائب رئيس الحزب الناصري فقط ، وليس لأنه واحد من أبرز مفكري مصر وليس لأنه من مؤسسي ومفجري الحركة الناصرية في السبعينات والثمانينات فقط وأحد الذين أثروا الفكر الناصري بل قيمته من كل هذه المنابع معاً .. من هنا تأتي أهمية المفكر الكبير أحمد الجمال الذي أحدث حواره عن وضع الحزب الناصري الآن في قناة «أون. تي. في» جدلاً واسعاً وكان أشبه بقنبلة أصابت شظاياها الكثيرين ممن جلسوا علي مقاعد أكبر منهم وتبوأوا مناصب لا تتناسب مع قدراتهم السياسية. أستاذ «أحمد» أنت واحد ممن نقلوا الناصرية من فكرة ودولة عبدالناصر إلي مشروع فكري وحركة جماهيرية في الشارع منذ كنت طالباً في الجامعة في أوائل السبعينيات أنت ورفقاؤك ومرافقيك من مناضلي السبعينيات، ولكن بعد 25 سنة مضت في متابعة الحركة الناصرية، معظم الناصريين الذين دخلوا في معارك حقيقية في مواجهة الرئيس أنور السادات وسياساته ومواقفه ودولته، هم الآن أبرز من يدافع عن دولة الرئيس حسني مبارك وعن سياسته، رغم أن السياسة واحدة إن لم تكن أشد سواء في محورها الاقتصادي التابع لأمريكا أو في محورها السياسي المتصالح مع إسرائيل. - أظن أن هناك فرقاً بين فريقين، الأول عمل في دولة الرئيس عبدالناصر وكان موجوداً مع الرئيس السادات ثم بعده الرئيس مبارك وهم مثقفو الدولة المصرية، يعني تحضرني أسماء مثل الدكتور مفيد شهاب والدكتور علي الدين هلال والأستاذ عبدالأحد جمال الدين والأستاذ كمال الشاذلي وجميعهم كانوا أركان التجربة الناصرية، بعضهم كانوا مبعوثين للخارج وبعضهم كان في منظمة الشباب وبعضهم كان في التنظيم الطليعي وهم معظم النخبة المصرية، وهناك الشق الثاني الموجودون الآن بالحزب الناصري وحزب الكرامة وحزب الوفاق القومي الناصري وفي المؤتمر الناصري مع الدكتور صلاح الدسوقي، فهذه معادلة أخري، بوجه عام هناك من يظن أو يعتقد أن التأثير في القلعة يتم من داخلها، مع ملاحظة أن السمة الغالبة أن يوجد مثقف داخل الدولة المصرية مثل رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك وعشرات ممن اعتقدوا أن الولاء ليس للنظام أو الحكومة بقدر ما هو ولاء للدولة المصرية وإنه كي تغير في مصر معادلة دولة مركزية، لابد أن تكون قريباً من الحكم، ولابد من أحد يسمعك ويراك، وبالتالي فالإصلاح من داخل المؤسسات قد يبدو لكثيرين أنه الوسيلة الأمثل للإصلاح، وكان من حظي أن عشت فترة التحول من الاتحاد الاشتراكي للأحزاب سنة 1976، وأذكر أنه كان هناك ثلاثة يقومون بعمل المنبر الاشتراكي الناصري، كمال رفعت وكمال أحمد وعبد الحميد عطية وأنا من كتب البرنامج. يعني أنت من اللحظة الأولي موافق علي أن تتحول الناصرية إلي حزب وأن تدخل داخل إطار حزبي؟ - هذا كان ظني في البداية، والقضية أصبحت بالنسبة لي الآن معضلة كبري، وأنا كنت موافقاً علي ضرورة الاتساق مع فكرة الانتقال من التيار، لأن التيار كان قد تعرض إلي وباء التنظيمات السرية. وما وباء التنظيمات السرية؟ - يعني كل مجموعة فكرت نفسها الأفضل والأكفأ والأفضل والأنقي والأكثر ثورة إلي آخره، واتهمت الآخرين بأنهم تلفيقيون ورجعيون إلي آخره، وبالتالي أصبح هناك انسداد في شرايين العمل السياسي، فالكل يندفع لأن يعمل تنظيما تحت الأرض، وهذا يحقق عدة مسائل، أولها أن من يريد أن يكون زعيماً فسيكون كذلك في تنظيم سري عدده 15 شخصاً بلا قواعد جميعهم يسألون: التنظيم أخباره إيه؟ فالدفاع عن التنظيمات عشناه جميعاً، فأنا أذكر عندما كنا في عين شمس عملنا تنظيماً من هذا النوع. كان اسمه إيه؟ - لا أتذكر! كنتم كباراً وشباباً؟ - لا، شباب فقط. وأعتقد أن إخواننا في جامعة القاهرة عملوا تنظيماً. وما كانت الفكرة من التنظيم؟ - الفكرة أنه عقب 15 مايو نحن كنا في التنظيم الطليعي وتم تشويه التجربة. أنا أذكر في حوار استمر حوالي 6 ساعات مع الرئيس السادات- رحمه الله- في برج العرب وكنت أحد أطراف اللقاء وتقريباً كنت المتحدث الرئيسي في تلك الفترة وتكلمت مع الرئيس حوالي ساعة وأكثر حتي «زهق» وقال لي «إنت اسمك إيه يا ولا.. مش كفاية كلام يا ولا» وهكذا.. المهم أن بعد ضرب التنظيم الطليعي الذي كنا نعتقد أنه التنظيم الذي سينقذ الثورة شعرنا بأن الثورة المضادة آتية وأن الرئيس السادات يمثل الثورة المضادة وإنه اللي جايين جميعهم أعداء للتجربة الناصرية وكان هناك شبه ارتباط بيننا وبين الرموز التي كانت موجودة آنذاك أمثال السيد «شعراوي جمعة» والسيد «سيد شرف» والسيد «علي صبري» لكنه لم يكن ارتباطاً شخصياً بقدر ما كان ارتباط مضامين لأنه من الواضح أنه كانت هناك أجنحة متصارعة في ظل دولة الرئيس عبدالناصر، وتذكر أن الأستاذ هيكل في حلقاته كان بيحكي عن محاولة مصادرة الأهرام وإنها دولة داخل الدولة إلي آخره، هذا التعدد هو ما دفع الرئيس عبدالناصر في أغسطس 1970 قبل أن ينتقل إلي رحاب الله لأن يفكر في التعددية، فنحن حزب الثورة وأولاد الثورة انضربنا وتم تصفية التنظيم رغم أن السادات كان الرئيس الشرفي للتنظيم والسيد «ممدوح سالم» كان مسئول التنظيم في الإسكندرية. ما معني أن يكون تنظيم سري رئيسه هو الرئيس.. يبقي سرياً علي مين؟ - الفكرة هي التدقيق في الاختيار، أنا رأيت خط يد عبدالناصر، إنصافاً له، في تعليقاته علي هوامش كشوف العضوية، كتب: لماذا كل هذه العضوية؟ لماذا هذا التدفق؟ ما المعايير التي تختارون بها الناس؟ هل سيكون تنظيماً ثورياً حقيقياً يصمد أمام التحديات أم سيكون بناء ورقياً يسقط عند أول ضربة وقد صدق حدسه، لكنه لم يسقط بأول ضربة ولا حاجة لأننا حتي الآن مستمرون بنفس هذا التنظيم. ما أريد قوله إن فكرة الولاء للدولة المصرية كانت موجودة بمعني كيف نستطيع التغيير من داخل مؤسسات الحكم، وهذا هو الفرق بين الإصلاحي وبين الثوري. نرجع للمشهد الخاص بالمنبر وأنت تكتب صياغة المنبر الاشتراكي الناصري واللحظة التي كان رأيك فيها بلاش تنظيمات سرية راح فين المنبر؟ - المنبر ده كان الرئيس السادات قرر إنه يعمل تعددية والتعددية كانت من القصر من فوق يعني التنظيم الطليعي كان من فوق. ده قبل الدستور ما يتغير؟ - آه، هو قال أنا هعمل 3 تنظيمات وسط ويمين ويسار، كان مسميها تنظيمات وهما مش أحسن من كده، «خالد محيي الدين» يكون عن اليسار و«مصطفي كامل مراد» ضباط أحرار يصبح مسئولاً عن اليمين اللي هو الأحرار، وهو بنفسه مسئول الوسط وعمل لجنة سماها لجنة مستقبل العمل السياسي وكان يرأسها الأستاذ «سيد مرعي»- رحمه الله - وكان السيد «كمال الدين رفعت» رجلاً فاضلاً بكل المعايير وهو أحد أبطال حركة التحرير المصرية وأحد الفدائيين. ضابط في المخابرات الأمريكية جاي كمدير بنك أمريكي في القاهرة.. واضح أن له دوراً سياسياً كمان؟! - طبعاً، دور سياسي، وكان علينا أن نتصدي، وعندما حدث هذا في تلك الفترة كان فيه عدة تنظيمات تحت الأرض وكان فيه حالة تيار هائل يعني تيار ناصري كان قوياً جداً. يعني التيار ده بمعني الجماهير المختلفة طلبة وعمال؟! - صحيح طلبة من كل مكان، جامعة القاهرة، المنصورة، الزقازيق، عين شمس، وعمال وناس من الأحياء السكنية، كنت تقوم بعمل ؤتمر فيه 20 ألف وزيادة. هل هناك دول عربية لعبت دوراً في مساعدة التيار ده؟ - أنا رأيي أنه حصلت مؤامرة كبري علي العمل السياسي في مصر من بعض الدول العربية التقدمية المحيطة بمصر. المدعية التقدمية؟ - المدعية التقدمية، لإجهاض حركة السياسة المصرية، يعني كان السادات متكفلاً بإنهاء دور مصر علي مستوي الدولة وهناك من يترصد لإفساد البقية عبر إفساد المعارضة المصرية يعني يبقي معارض مصري عايش بره فيبقي عنده مثلاً قصر وعربية مرسيدس ومكتب في الشانزليزيه وعامل له مكتب دراسات أو تنظيماً وبيروح يقعد مع «طه يس رمضان» أو مع «ياسر عرفات». دول هم المسئولون من وجهة نظرك؟ - أنا رأيي أن بعث العراق ومنظمة التحرير بغزة واللجان الثورية الليبية وإلي حد ما البعث السوري. دول عملوا إيه؟ - كان هناك محاولة لوراثة عبدالناصر ودور مصر الناصرية عبر الادعاء بتبني المعارضة المصرية لمواجهة السادات في الوقت نفسه كان يمكن يبلغوا عنهم عند أنور السادات وفي الوقت نفسه إفساد المعارضة عن طريق إنها تُحَّلل مالياً وتبقي مرحرحة، وأنا أذكر مرة لما خرج الرئيس بن بيلا من السجن - الرئيس الجزائري الأسبق - وذهبت لزيارته في جنيف، فعزمنا علي الغداء فلقيت الغداء عبارة عن فرخة اتقسمت إلي 4 قطع و3 برتقالات، فأنا استغربت وهو كان من ضمن كلامه إنهم كانوا ثورة الحفاة وأن فرنسا اعتقلتهم وهم حفاة عراة. وهو قائد جبهة الاتحاد الجزائرية؟ - نعم، وهو لا يتوقع نجاح الثورة الفلسطينية لأنها ثورة المرسيدس والسجادات الحمراء، وهذا هو الفارق بين الثوريين، عندما تكون المعارضة المصرية فيها أجنحة وكل جزء راكن علي جزء وكل واحد متصور إنه مسيطر علي حتة من مصر، أتصور أنه قد آن الأوان لكل من لديه شهادة أن يقدمها عن حصار مصر ليس فقط بسبب كامب ديفيد ولا بسبب الصلح مع الدولة العبرية وإنما بسبب محاولة وراثة دور مصر تعسفاً، فهناك من أجرموا في حق الوطن سواء من بعض الدول التي ادعت التقدمية أو من بعض الأشخاص الذين فكروا في النضال في الخارج والعودة لمصر، نرجع للموضوع الأصلي هو عندما تقدمنا وبدأنا نستقبل الناس حدث خلاف، هناك من قال كيف تدخَّلوا في شرعية أنور السادات، شهادة للتاريخ أزعم أنني قلت «فنلجرب» إذا كانت مزحة وكان السادات بيهزر نكشفه وإذا كان جداً ولو بنسبة 5% نستفيد من نسبة ال5% ونستمر، ثبت فيما بعد عبر مسار طويل أن القضية ليست قضية أحزاب، لكن القضية التي من المفروض تُناقش هي: هل مصر بلد يصلح لصيغة عقلانية اسمها الأحزاب السياسية التي وصلت إليها المجتمعات عبر تطور طويل جداً جداً، وصراعات وحروب أهلية وتحول من عصر الإقطاع إلي عصر النهضة إلي عصر البورجوازية إلي آخره؟!.. حسب رؤية التحليل الاقتصادي الاجتماعي لمصر، هل يمكن أن نبني أحزاباً في مجتمع غير محدد الملامح الاجتماعية ما عندوش طبقة عمال ولا فلاحين واضحة ولا.. ولا.. إلي آخره، وثبت أن مراحل السيولة الاجتماعية والتداخل السياسي وعدم القدرة علي تحديد من العامل ومن الفلاح حتي الآن وأن الريف تغير تغييراً هائلاً - وأنت زي حالاتي بتروح قويسنا وأنا بروح طنطا وبتشوف التغييرات الهائلة اللي حصلت في الريف المصري والصحراء المصرية، كل هذا يقول أن علينا أن نناقش من جديد الصيغة العقلانية كي نستطيع أن نمارس عملاً سياسياً صحيحاً في مصر، لقد ثبت أن تجربة التعددية في مصر وقد صار عمرها الآن 34 سنة حصادها هشيم. نريد أن نعود إلي فكرة الحزب الناصري، هل تحول منذ 1992 إلي حزب سياسي! - نعم لكن الحزب انتقلت إليه الأمراض طبعاً. ولكن في الحقيقة أريد أن أتحدث بشيء من الصراحة المبالغ فيها وأقول إنه ليس مرضاً ولكنه احتضار فالحزب الناصري الآن يحتضر ولا أظن أنه مريض؟ - لا، ما أريد أن أقوله قبل الاحتضار، كيف يمكن للكائن الحي أن يصل إلي مرحلة الاحتضار؟ هو معناه أن جهاز مناعته ضعيف، وهذا الجهاز الضعيف جاء من التالي: أن أول خطأ تم ارتكابه هو استدعاء الماضي ممثلاً في أشخاص. الأشخاص اللي هم ضياء الدين داوود؟ - نعم، ما أريد قوله ونحن في الحزب تحت التأسيس استمرت حالة التنظيمات الموجودة تحت الأرض إلي أن انضممنا إلي تنظيم كبير قوي اسمه «الطليعية العربية»، وكان أصل فكرته أن عبدالناصر بناه للعرب وكان يقوده. أي أنه تم إنشاؤه أيام عبدالناصر؟ - نعم وكان مخصوصاً للعرب وبعد 15 مايو، بعد عبدالناصر لم يكن له وجود في مصر وكان وجوده في الخارج وكان له غطاء طلابي باسم رابطة الطلاب العرب الوحدوي الناصري وأنا كنت أمينها بالقاهرة. هذا الكلام مهم جداً للناس ربما يكون من المرات النادرة التي يتم الكشف عنه؟ - وهذا التنظيم الذي أسسه عبدالناصر وانتهي بضرب السادات له بعد 15 مايو استمر علي يد بعض القادة العرب أبناء التجربة الناصرية وكان منهم أسماء خيرالدين حسيب وصدقي الدجاني ومجموعة كبيرة. لم تكن قيادات دولة بل كانت قيادات شارع؟ - نعم واستمروا وأخذوا قراراً بأن البلاد التي بها اتحاد اشتراكي لا يدخلها تنظيم الطلائع العربية وكانت ليبيا ومصر آنذاك ثم حدث بعد ذلك انفتاح علي هذه البلدان، وأذكر أنه تأسست أول خلايا بمصر من 3، أنا لست بحلٍّ من أن أقول أسماء ال2 ولكن أنا واحد منهم. في أي سنة حدث هذا؟ - في أواخر 1976 ثم دخلت أنا السجن 1977 وظللت بالسجن فترة طويلة، ثم خرجت لنبدأ ننشط ويعمل التنظيم. وكان التنظيم يعمل باعتباره فرعاً من التنظيم العربي؟ - نعم، والتنظيم العربي هذا كان منتشراً من موريتانيا إلي البحرين يعني موجوداً في كل الأماكن، وكانت حركة التيار الناصري قد بدأت تتشكل في جماعات فقد كان في اليمن ولبنان والعراق تنظيمات إلي آخره، وفي ظني أن جزءاً من الخطأ أن الحزب الناصري بدأ تحت وصاية هذا التنظيم وبالتالي كان اختيار قيادات الحزب من هذا التنظيم. يعني التنظيم العربي الذي يتسع من البحرين إلي موريتانيا هو من يقول لمصر ...؟ - لا، ليس هو من يقول لمصر، فالتنظيم به مصريون أساساً وهم لم يقولوا لا، فالفكرة أن مصر فرع تجتمع وتقرر ماذا تفعل ولا يستطيع أحد أن يقول لي افعل ولا تفعل، هذا خطأ، والخطأ الثاني هو استدعاء مجموعة 15 مايو، وهي لم تكن مجموعة، وهذه حقيقة لابد أن تقال، السادات اصطنع أنها مجموعة. كانت فيه خلافات هائلة بينهم؟ - نعم، لذلك قبلوا من السادات أن يتخلص من علي صبري وهم ساكتون يوم 1 مايو، وفي التحقيقات علي صبري حذرهم وقال لهم: بدأ بي وإنتوا مبسوطين بكره هاييجي عليكم إنتوا، لما خرجوا من السجن قولنا لهم يا ميت مرحب، فبعضهم صدق البروتوكول والجلوس في الصف الأول، وبعضهم بدأ يمارس إعطاء التعليمات. وكأنه قيادة روحية! - قيادة فعلية، ويشخط فيك، ويقولك اعمل كذا فتقول له حاضر يا فندم، وبحكم أننا شعب مؤدب ومتربي تربية فلاحي نخاف ونختشي من الكبار، وما يصحش نراجعهم، قعدنا علي هذا الموضوع لغاية ما خلصوا علي الفكرة. خلصوا عليها إزاي؟ - جاءوا بفريد عبدالكريم في أول تجربة، وصدروه للقيادة باعتباره محرضاً سياسياً عظيماً وهائلاً، بس فريد ما كانش بيسمع الكلام، وخلع الجزمة ووضعها علي المنصة، فشعروا أن فريد مش متظبط، وكرروا نفس خطأ سبتمبر سنة سبعين، انتقوا أضعف الأطراف من بينهم وهو ضياء الدين داود عشان يصدروه في الواجهة ويعطوا له الأوامر من الخلف، وجاء ضياء داود، وتصدر المشهد وأصبحت هناك قيادة، وضياء قدام، بحيث إن ضياء لما يبقي فيه الآباء الكبار يدوا تعليمات هايسمع، مع ملاحظة أن الأستاذ ضياء رجل حبيبي وصديقي. فالأستاذ ضياء، ربنا يديله الصحة تجاوز الخامسة والثمانين، وعنده زهايمر وقاعد في البيت. شيء لافت إن الأستاذ ضياء عنده زهايمر وخرف الشيخوخة ولا يزال رئيس الحزب الناصري؟! - الكارثة أن هذا الوضع استفاد منه أنصاف القادة وأنصاف الموهوبين، ومش عايز أغلط. مش أنصاف الرجال؟ - لا مش أنصاف الرجال، أنا باتكلم علي الموهبة والقدرة علي القيادة، وغيابه فتح الباب للقيادات القزمية التي حققت القانون الأزلي، إن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة، ووصل حالنا لمرحلة الاحتضار، فهناك جسد وجثمان، الجسد يشتبك مع محيطه ووظائفه الحية بتشتغل، الجثمان مشتبك في داخله، لأنه بيتحلل إلي شظايا، فالحزب منذ سنوات تحول من جسد إلي جثمان، فاضل تشييعه بطريقة أو بأخري، ولكن الله تعالي قال: «من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم» والله أعلم. نريد الوقوف علي مشهد التعيين في مجلس الشوري فهو مشهد يثير سؤال كيف يقبل الحزب الناصري أن تزور انتخابات الشوري لأحد أعضائه ومرشحيه بالتلفيق السياسي الشهير بتاع إحنا فصلناه، ثم المسرح يكتمل ويظهر أقرب إلي سيرك، والأمين العام للحزب، اللي أنا كنت باشوفه من 25 سنة بيزورك في مكتبك وكنت أسأل من هذا الرجل؟ وحتي الآن مازلت أسأل من هذا الرجل، ويصبح عضو الشوري المعين من رئيس الجمهورية أو من الحزب الوطني تقريباً عن الحزب الناصري، هل هذه مظاهر تحلل أم نتائج نهائية للوفاة؟ - أريد القول إنني صاحب الدعوة القائلة لابد من التعامل مع النظام، نحن نعمل في حزب يقوم علي الشرعية الدستورية، وبالتالي، غصب عن عينا لسنا ثوريين، نحن إصلاحيون، ولابد أن يتم العمل من داخل مؤسسات النظام، ولابد أن نفتح الحوار لكل أطراف المعادلة السياسية. ما أريد قوله، إن الحكم يصوب أو بالبلدي بينشن علي أضعف العناصر في التكوينات السياسية وأردأ ما فيها، ويستقطبها ليحقق أمرين، أن يحضر شخصاً أبكم لا يمتلك قدرات ذهنية متألقة، وفي أقصي الحالات يكون تلميذاً مجتهداً لو ذاكر شوية، وفي نفس الوقت يدعي الفهم في كل شيء في الاقتصاد والسياسة والدين والعلم واللغة العربية والنحو، لكن دمه تقيل وما بيعرفش ينكت. نكرة يعني؟ - وبعد ما ينشنوا عليهم ويحضروهم، يجدونهم مجروحين، فالمعادلة إنك تجيب حد مجروح، حد تقدر تمسكه، فعلي سبيل المثال، في موضوع الحزب، أخذوا بهذا الكلام الذي أزعم أنه حق. اللي هو الحوار مع النظام والمجتمع؟ - ومادام قلنا نفتح إذن نفتح مع الناس كلها، ولكن من موقع الندية، ونحن لدينا القدرة علي الندية. خلاص طالما إحنا مش ثوريين، ومش عايزين نعمل ثورة، إحنا إصلاحيون، إذن فلنتناقش مع الناس؟ الفكرة أخذت واتلوت، القصة بالضبط كما يلي، وأود أن أقولها، عشان الناس تعرف، حتي لا أكون ساكتاً عن الحق فأكون شيطاناً أخرس، حصل أن الأمين العام للحزب الناصري تلقي اتصالاً من وزارة الداخلية، بيقول له فيه الضابط: النبي قبل الهدية، فقال له: قبلنا الهدية، قال له: إحنا عايزين من عندكوا عضو مجلس شوري، قال له: خلاص يبقي الدكتور محمد أبوالعلا مباشرة، قال له: إحنا عايزين عمال في دائرة الأزبكية، قال له: مالناش حد في دائرة الأزبكية، إديني فرصة يومين تلاتة أفكر، فطال التفكير، فالداخلية اتصرفت واختارت أمين التنظيم، وهو أهم واحد في الحزب، لأنه هو اللي معاه الورق والكوادر والتليفونات والعناوين، وبيحرك القواعد، وأحمد حسن قبل كده كان أمين التنظيم، فجاء أمين التنظيم وذهب للأمين العام وقال له: الداخلية اتصلت بيا عشان كذا وكذا، رأيك إيه؟ فقال له: علي بركة الله، قال له: يعني أكتب جواباً وأمضيه باسمي بالنيابة عنك؟ قاله: اعمل كده، وهو برضه راح للأجهزة الرسمية. الداخلية؟ - وحصل حوار طويل، أعتقد أنه مسف ولا يليق أن أقوله، لأنه سيسيء للكل. مسف من طرف من؟ - مسف من الطرفين، وعدت المسائل، وعملوا اجتماعاً، فقلت لهم، النبي بيقول: «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة ولا تمثلوا». صحيح؟ - فلا تمثلوا بأخيكم، شوفوا نقدر نوظفه إزاي، خلاص الداخلية إدتنا قفا، خلينا نرد بأن نحضر هذا الرجل ونقبل ونستر علي عورتنا ونشغله مظبوط، ولو اشتغل مظبوط وفق أجندتنا يبقي خير وبركة، وإذا ماشتغلش حسب أجندتنا «نرفده». لا توجد أي مقدمات تصل بنا إلي النتيجة التي تقول بها، بس ماشي أهو برضه ممر في الجبهة؟ - كان أكبر المتشددين في محاكمته ومواجهته الأستاذ أحمد حسن، تشدد صليبي، بعدها قال أنا فوجئت، قلت له أنت لم تفاجأ، قال لي يعني إيه؟ قلت له إنه لا يجوز للمقام السامي والرفيع لرئاسة الجمهورية، إن رئيس الجمهورية يصدر قراراً جمهورياً بدون أن يستنتج رأي الطرف الآخر، فمن الممكن أن يرفض، ويسجل عليه بنطاً، قال لي: هو فعلاً حصل اتصال من الرئاسة، لكن لم يخبروني. يعني من الرئاسة وليس من الداخلية، لأنه تعيين شوري؟! - نعم، وبعدها اتصل به السيد الأمين العام للحزب الوطني وأبلغه وهنأه بتشريف وثقة السيد الرئيس، فقال له: يا فندم كنتم إدوني فرصة، فقال له: سنذيع بعد ربع ساعة، قلت له: هل يرضيك وهل يليق بك وبهذا الحزب أن تبلغ بهذا الموضوع قبلها بربع ساعة؟ ما يصحش وعيب، المهم، المكتب السياسي غالبية جايبها الأستاذ أحمد حسن. جايبها بمعني إيه؟ انتخابات وحزب وكلام من ده؟ - لا.. ما أنت عارف. أحب أعرف؟ - ده سؤال تقريري، في كل التركيبة السياسية المصرية، هناك طرف لابد أن يحتجز لنفسه جميلاً أنه يأتي بالناس، ولما حط اسمي نائب رئيس حزب وأنا ماكنتش عايز إطلاقاً، قلت له: هاييجي اليوم اللي هاتقولي فيه أنا جبتك. جه يا أستاذ أحمد اليوم ده ولا لسه؟ - إنت عارف إن أخوك بيعض، وهما بيخافوا، قلت له هاييجي اليوم اللي هاتقولي فيه كده، المهم، في المكتب السياسي تلاتة رفضوا هذا الموضوع، وأنا قلت له: أنا ممتنع ومش موافق ولابد إن إحنا نراجع المسألة، بس أنا عندي اقتراح، إنت ومحسن تتبرعوا بنصف أو ثلاثة أرباع مكافأة الشوري للحزب بدل ما إنتوا قاعدين تستلفوا من طوب الأرض، القصة كده بتقول إيه؟ بتقول إنه خدوا محسن، لأنه قيل للأمين العام من الأجهزة السيادية اللي جابت محسن إنهم هايشغلوه وإذا ما سمعش الكلام ممكن يتعاقب، ثانياً، الأستاذ أحمد له وضع حساس جداً، فعدا أنه أمين عام الحزب هو مدير عام الجورنال، ويتلقي راتبه من الجورنال. أكل عيشه يعني من الجورنال، بس الجورنال ما بيكسبش وما بيجبش فلوس؟! - معلش، بس برضه بيجيب مهية، الأخطر من هذا، هو أنه مدين بمبلغ ضخم لمؤسسة الأهرام، بادر مشكوراً منذ عدة سنوات ووقع شيكات باسمه شخصياً. بشكل شخصي مش حزبي؟ - وتستطيع الأهرام إذا أرادت دون أي تدخل سياسي أن تحبسه، فالمعادلة شديدة الصعوبة، أنا لا أطعن، هو صديقي وأخي، وطالما وقف إلي جواري في قضايا إنسانية، أنت تعلم بعضها، فإنسانياً هو كتلة من البرلنت النقي، ولكن سياسياً أختلف معه من الألف إلي الياء، والخطير في هذه المعادلة نفس تكرار المعادلة النمطية للسياسية المصرية، فكرة التوحد الإنساني شديد الاقتراب، زي قضية ناصر وعامر، وزي قضية النحاس ومكرم عبيد، ولذلك، لما بتحصل انفجارات في ظل هذه العلاقات الإنسانية بتبقي مدوية. أستاذ أحمد، وجهت إليك رسالة الاستقالة التي تقدم بها السفير أمين يسري من الحزب الناصري، وكانت مشمولة ومسببة، ونشرناها نصاً في «الدستور»، الأسباب واضحة جداً، ضعف الحزب وأدائه، ثم الأحداث الأخيرة وهي القبول بالتزوير لعضو بالحزب، والقبول بتعيين عضو، وأنت النهاردة في العمود بتاعك سألته «وجهتهالي ليه»؟ - أظن إنه وجهها لحد هو بيحبه وحاسس إنه مسئول وحاسس إنه مش هايسكت، بس أمين يسري أراد بهذه الرسالة أن يسجل شيئاً معيناً، لو تذكر في الفتنة الكبري. أنا لا أذكر غير الفتنة الكبري؟ - عندما وقف الإمام علي يقول يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان، ألم أقل ألم أفعل ألم كذا، يشهدهم علي أنفسهم، فأنا أظن أن صديقي أمين يسري، يسجل علي أنني شاهد علي الباطل ومشارك فيه، ولذلك أنا قلت له إن خروجي مش هايبقي زي الشعرة من العجين، أنا خروج هايبقي زي الضفر من اللحم بدون تخدير، أمين يسري كان طول الوقت شريفاً نزيهاً، طاهر اليد، ولكن، للأسف الشديد، البلد دي ما أعرفش كيف تأكل أبناءها! كيف تأكل أحبابها! كيف تأكل تجاربها التاريخية! ما الحل يا أستاذ أحمد علي ما يجري في ساحة الأحزاب والحزب الناصري تحديداً في مصر، وما الذي يمكن أن تراه قادماً في نهاية النفق؟ - أتصور أنه من الوارد، النقيضان أن يتم حل هذا الحزب وأن يعود الناصريون إلي تيار عريض، يسكن ضمير الأمة ويتوزع علي قواها الاجتماعية، وقواها السياسية، لأن إحنا ممكن نروح للوفد وننضمله ونبقي في الطليعة الوفدية، ومن الممكن إن إحنا مع حمدين ومع آخرين نشكل جبهة عريضة، ومن الممكن إن إحنا ننساق مرة أخري في الأرض، يعني الفكرة العبقرية بتاعة اسكنوا الأرض. الفكرة الثانية، أن يحدث، تصحيح حقيقي داخل الحزب، وهل ده ممكن في وجود حكم أمين الحزب ورئيس الزهايمر؟ - ده ممكن، بدليل إني قابلت بعض الأصدقاء من دمياط، منهم حد قريب للأستاذ ضياء جداً، وقال لي الأستاذ ضياء حالته الصحية تعبانة، وإنه أصيب بانهيار تام في الذاكرة، وأنا موافق إنه يمشي. إن رئيس الحزب الناصري مصاب بالزهايمر، خرف الشيخوخة، وربنا يديله الصحة وطول العمر، عمره خمسة وثمانون سنة، هل يستحق الأمر ثلاث سنوات يرأس الحزب رئيس لا يعرف أنه رئيس لهذا الحزب؟ - إنت عارف الفكرة في إيه، الفكرة في العصور المملوكية، عصور الانحطاط، حيث تصبح الأمور الشاذة قواعد، وهذه إحدي سمات الانحطاط، فنحن نعيش عصور انحطاط اللي الناس بتتصور إن المرض الإنساني عورة، والناس بتتصور إنها تستطيع أن تلعب دور الثعالب الصغيرة، فالفكرة في أن هناك ثعالب صغيرة، قليلة الموهبة، قليلة الثقافة، قليلة القدرة، لا تستطيع أن تعمل إلا في ظل هذا الجو البغيض، وبالتالي السؤال الحقيقي الذي التمسته من الصديق أمين يسري: هل نستطيع في فرصة مقبلة أن نصحح، والأستاذ ضياء يرتاح ونبتدي نقوم بمؤتمر عام، ونعيد هذه المسائل في محاولة لململة الأمور، العشم في وجه ربنا الكريم، ولو إني حاسس إن غضبه أصبح شديداً علي هذه الأمة.