احتشد الجمهور منقسما بين الفريقين في اكبر ملعب يمكن تصوره، في انتظار تلك المباراة التي ستحدد مستقبل الرياضة. توزع الجمهور بين جنبات الملعب، بعضهم لون وجهه ولبس طرطورا، وآخر التحف بعلم، وثالث يهلل ويكبر، في خليط يغلب عليه الحماسة والغضب أكثر مما فيه من العقل والمنطق.. لحظات قليلة وتبدأ المباراة، الحيرة تنتاب الجميع. يقول احدهم: "سنهزمهم شر هزيمة". ويجيبه ثان: "بل نحن الغالبون". ويشترك الاثنان في جدل يتطور الي مشاجرة تمتد لتشمل مساحة الجمهور كله حتي صرخ شخص "اللعب بدأ". الي الملعب نزل الفريق الاول، يرفع اللاعبون ايديهم تحية الي الجمهور الذي يشجع بعضه، وقال الآخرون في استنكار "يييييه" وتكرر نفس الشيء عند نزول الفريق الثاني وان اختلفت مواضع الترحيب والاستنكار، بدا اللاعبون في شكل غريب، فهم لا يرتدون زيا موحدا، يلبس بعضهم ملابس كرة القدم، وآخرون معهم مضارب تنس وثالث يرتدي زي الكاراتيه. أما الملعب ذاته، فقد بدا اكثر غرابة، فهو غير محدد الابعاد، خطوطه متقاطعة، متداخلة غير واضحة، لا احد يعلم مكان الجول، ولا توجد زاوية "كورنر"، يتناثر في المكان قرب وسط الملعب واطرافه سلة وشبكة عرضية علاوة علي اجوال كرة القدم. مشهد يبدو عبثيا وتزداد عبثيته بنزول الحكام الذين بدوا شديدي الحيرة، لم يعرفوا أي قانون يطبقون، كرة القدم، ام كرة السلة، يمكن كرة اليد أو الكاراتيه.. او حتي التنس. بدأت اللعبة وانتشر اللاعبون في الملعب الغير محدد الابعاد، كل منهم يجتهد ليظهر افضل ما لديه، وازداد الامر حيرة حينما نزلت عدة فرق أخري مكون بعضها من اثنين وبعضها من ثلاثة، وبعضها من شخص واحد يحمل يافطة تقول "اجدع فريق يحييكم". يهلل الجمهور منتشيا احيانا، ومعترضا احيانا، وكل مجموعة تتشاجر فيما بينها، ثم يمتد الشجار الي المجموعات وبعضها وهي تطالب الحكام باحتساب هدف لهذا الشخص أو ذاك او لهذا الفريق أو ذاك. الغريب ان بعضهم من الجمهور يتحدث عن تجاوزات اثناء اللعب، ويطالب بمحاسبة المخطئين بهستيريا شديدة. "هو فيه إيه؟".. صاح نفر من الناس هو أنتم بتلعبوا إيه؟.. ما هي اللعبة؟ وما هي القوانين المنظمة لها؟..وما هي حدود الملعب؟..ومن هم الحكام وعلي أي قانون يستندون؟ فليقول لي احدكم: "إيه التخريف ده"؟. وأرد قائلا: انني لا اتكلم في الرياضة، فأنا لست من عشاقها إلا فيما ندر.. ولكن عن السياسة يا سادة اتكلم، المشهد هو هو، والعبث هو هو، والاسئلة المطروحة هي نفسها، نراها امامنا يوميا في الاحزاب، والجماعات، والقوي السياسية. واعتقد ان تكرار الاسئلة قد يكون مفيدا اذا اردنا ان نلعب فيجب ان نحدد ما هي قوانين اللعبة، ومن هم اللاعبون وما هي حدود الملعب؟ ومن الذي سيتولي دور الحكم؟ ساعتها فقط سيفهم الجمهور عن أي لعبة نتكلم ليصير جزءاً فاعلاً في هذه اللعبة.