غدا تتعلق قلوب ملايين المصريين والجزائريين بملعب بانجيلا في أنجولا، في مباراة ستحدد هوية الفريق العربي المتأهل للمنافسة علي اللقب الأفريقي، بينما يلعب الخاسر علي المركزين الشرفيين الثالث والرابع، ليس هناك أكثر من ذلك.. مباراة مصيرية من يربحها تتعزز حظوظه للفوز باللقب، ومن يخسر يتلقي التهاني علي الأداء المشرف طوال المشوار الأفريقي. ليس خافيا علي أحد أن هذه المباراة محط أنظار العالم، وسيتابعها الملايين في أنحاء المعمورة، وربما تسجل رقما قياسيا في المشاهدة العالمية، الكثيرون ينتظرون المتعة الكروية، وكثيرون أيضا يحدوهم الأمل في مشاهدة سيناريو جديد من سيناريوهات الخلافات العربية، والمشاكل التي تسمح لبعض الأطراف بالصيد في المياه العكرة. صحيح أن مباراة أم درمان الفاصلة قد أصابت المصريين بغصة، والبعض شعر بالإهانة، بسبب أحداث لا تمت لكرة القدم أعقبت المباراة، وبسبب إعلام منفلت وغير مسئول من الجانبين، وبسبب بعض جماهير متعصبة تعصبا يفوق الحدود، وبسبب تقاعس بعض المسئولين عن وقف الاحتقان والرد علي الشائعات، لكن في كل الأحوال يجب وضع مجمل هذه التصرفات المؤسفة خلفنا وننظر إلي الأمام.. ونستعيد عبقرية التاريخ والجغرافيا. التاريخ يقول أن العلاقات الرسمية والشعبية بين مصر والجزائر هي الأكثر تميزا بين البلدان العربية، فعلي أرض مصر تم تأسيس جبهة التحرير الجزائرية، ومن قوت المصريين كان يتم شراء السلاح للثوار الجزائريين وتهريبه إلي الجزائر.. بل أن الكثير من المصريين تطوعوا وناضلوا في صفوف الثورة الجزائرية.. وأنا شخصيا أعرف بعضهم مثل الدكتور محجوب عمر، الذي تطوع للعمل في تطبيب ومداوة جرحي الثورة الجزائرية. وبعد الثورة وإعلان الجمهورية الجزائرية حرصت مصر علي إرسال الأطباء والمدرسين وعلماء الدين وغيرهم لدعم بنيان الجمهورية الوليدة.. وأيضا أعرف الكثير من المدرسين المصريين الذين عملوا في الجزائر لتعليم الجزائريين اللغة العربية، بعد سنوات طويلة من الفرنسة تحت الاحتلال. الجزائر أيضا وقفت إلي جوار مصر بعد هزيمة يونيو 1967 وقدم الرئيس الراحل هواري بومدين الكثير من الدعم المادي واشتري صفقات أسلحة وأرسلها إلي مصر للمساهمة في إعادة تسليح الجيش المصري، وأتذكر أن القوات الجوية الجزائرية كانت موجودة في حرب أكتوبر 1973جنبا إلي جنب مع القوات المصرية واختلط الدم المصري بالجزائري علي تراب مصر كما اختلط من قبل علي التراب الجزائري. أي عاقل لا يمكن ان يضحي بكل هذا التاريخ من أجل مباراة لكرة القدم، وإذا كانت العلاقات المصرية الجزائرية ليست في أفضل أحوالها الآن، فإن علينا ألا نجعل مباراة في كرة القدم، تؤدي إلي تمزيقها والقضاء عليها. فلنجعلها مباراة في الروح الرياضية والمصالحة.. مباراة في الأخوة الحقيقية.. تسعين دقيقة من اللعب النظيف والجميل ويربح الأفضل، ونقول له جميعا أحسنت.. ومن يخسر نشد علي يديه ونقول له أيضا أحسنت وقدمت مباراة كروية رفيعة وخسرت بشرف. كل ما أرجوه في هذه اللحظات أن نتحلي جميعا بالعقل، ونترك التعصب والتهييج، ولا نسمح لأعدائنا بتمزيق الأمة العربية أكثر مما هي ممزقة.. ولو كان الأمر بيدي لأوقفت كل البرامج الرياضية علي الفضائيات لحين انتهاء المباراة.. فكفانا ما ارتكبوه من جرائم في حقنا جميعا!