في عام 2005 كان معظم المحللين الاقتصاديين يعتقدون ان الاقتصاد العالمي وصل الي قمة النمو والاتساع وانه سيبدأ في 2006 منحي الركود قرب نهاية الدورة الاقتصادية له. صحيح ان نمو الاقتصاد الامريكي بدأ في التباطؤ، وأخذ سوق العقار الامريكي في الهبوط دون إنهيار كما بدأ المستثمرون يتحسبون لخطوات صينية للحد من خطر غليان الاقتصاد سريع النمو.. لكن ذلك ربما يعني هبوطا حميدا في الاقتصاد العالمي العام الحالي اذا لم تحدث تطورات استثنائية خصوصا ان مخاطر الضغوط التضخمية تظل عالية مما قد يجعل البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسية تستمر في رفع اسعار الفائدة ولو بنسب قليلة. من ملامح 2006 وفي نظرة عاجلة سريعة علي ملامح العام المنتهي، يلحظ المرء ان الاساسيات لم تشهد اهتزازات ولكن كانت هناك ظواهر خارج الادوات التقليدية، بمعني انها بعيدة الي حد ما عن تطورات اسواق الاسهم وعمليات الاندماج وارباح الشركات وقطاعات العقار والخدمات الاساسية في الاقتصادات الرئيسية. من تلك الظواهر استضافة المانيا لكأس العالم بداية صيف العام، وهي ظاهرة رياضية كان لها اثر اقتصادي علي اكبر الاقتصادات الاوروبية؛ فقد وفرت نحو 10 الاف وظيفة، وادت الي انفاق استثماري فاق ال5 مليارات يورو ووفرت ارباحا بالمليارات ايضا، وأنعشت قطاعات عديدة خارج المانيا مثل السفر والنقل الجوي وغيرها.. وفي النهاية اضافت نسبة بسيطة للنمو السنوي للاقتصاد الالماني. جيتس يتبرع بثروته الظاهرة الثانية هي الطفرة التي حدثت في قطاع الاستثمار في الاعمال الخيرية باعلان اغني رجل في العالم، صاحب عملاق البرمجيات "مايكروسوفت" بيل جيتس، انه سيخصص كل ثروته للعمل الخيري.. وتلاه من يليه علي قوائم اغنياء العالم الملياردير الامريكي وارين بافيت، ليفعل مثله. وهكذا برز قطاع جديد في الاستثمار الرأسمالي هو الاستثمار الخيري في مشروعات اعانة واغاثة وتنمية في افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية، كمنفذ مبتكر للاستثمار يعوض الاقتصادات المتقدمة عن ادوات الاستثمار التقليدية في الاقتصاد الراسمالي العالمي. كما شهد عام 2006 تنافسا صينيا هائلا علي الدخول في افريقيا، عبر اتفاقات بمليارات الدولارات في مجال البحث والتنقيب عن الطاقة واستخراجها ونقلها كما سعت الشركات الصينية النامية بسرعة الي اقتناص فرص جديدة في الشرق الاوسط وافريقيا في مجالات خدمية وتجارة اخري غير الطاقة، وتوج كل ذلك بالقمة الصينية الافريقية في بكين قرب نهاية العام التي شارك فيها اكثر من اربعين من قادة دول القارة السوداء. ووجدت دول الشرق الاوسط والخليج في الصين شريكا جديدا، يستورد المواد الخام (تحديدا البترول والغاز) ويصدر السلع الاستهلاكية. البترول والاقتصادات العربية وعلي ذكر النفط، فقد كان لارتفاع اسعاره مجددا خلال 2006، وقدرة الاقتصاد العالمي علي تحمل الارتفاع دون ضغوط كبيرة تهدد النمو، اثر بالغ علي الاقتصادات خاصة الاقتصادات الخليجية وما تتداخل معه عبر اسواق المال كما في الاردن ولبنان والمغرب ومصر. فقد ادت الوفرة الهائلة في السيولة النقدية نتيجة ارتفاع عائدات النفط بمئات المليارات من الدولارات الي غليان اسواق المال الخليجية علي مدي السنوات الاخيرة. لكن هذا الغليان بلغ اشده مؤخرا، مما جعل هذا العام سنة "الضبط" السوقي اذا صح التعبير. وساهم في اضطرابات العام ما وصفته صحيفة "الفاينانشال تايمز" البريطانية بانه عامل سياسي يتلخص في رغبة السلطات خصوصا في السعودية اكبر الاسواق والاقتصادات في المنطقة في جعل مواطنيها "مضاربين لا ناخبين - علي حد تعبير الصحيفة. وشهدت اسواق الخليج اكثر من هبوط حاد ازاح مليارات الدولارات من قيمة الاسهم في المنطقة. ورغم ان القدر الاكبر من تلك المليارات كان عبارة عن ارتفاعات وهمية نتيجة المضاربات، فان هبوط الاسواق سبب كثيرا من الاذي لصغار المتعاملين وعددهم بالملايين من مواطني دول الخليج. لكن في المحصلة النهائية، يظل ما حدث صحيا الي حد ما علي طريق اعادة الاسواق الي المسار المنطقي والتخلص من الفقاعات الضارة في قطاع جديد نسبيا علي اقتصادات دول الخليج. البيئة وتبعاتها الاقتصادية الظاهرة الاخري التي تبدو بعيدة ظاهريا عن اساسيات الاقتصاد هي التوجه نحو مكافحة التغيرات البيئية لتلافي تبعاتها الاقتصادية السلبية. وشهد العام في ربعه الاخير صدور "تقرير ستيرن" الذي وضعه سير نيكولاس ستيرن مستشار الحكومة البريطانية الذي عمل - سابقا كبير الاقتصاديين في البنك الدولي. خلص ستيرن في تقريره إلي انه اذا لم يكن هناك جهد عالمي مشترك حاسم وعاجل لتلافي الآثار البيئية المدمرة فان التغيرات المناخية ستكلف العالم ما بين 5 و20% من الناتج المحلي الاجمالي العالمي، اي ما قد يصل إلي 9 تريليونات دولار. هذا بالاضافة إلي تشريد نحو 200 مليون نسمة من سكان الارض كلاجئين بيئيين، إذا جاز التعبير. فالتغيرات المناخية الناجمة عن التلوث البيئي لا تقتصر علي ارتفاع درجة حرارة الارض، بل تؤدي إلي ارتفاع منسوب البحار والمحيطات، بما قد يودي بأجزاء من اليابسة (اي ببساطة يمكن ان يزول بلد كبريطانيا من الخريطة تماماً، وذوبان الجليد في المناطق المتجمدة مع ما يصاحبه من فيضانات وانجرافات ارضية. وبدأت حملة دولية - اقتصادية اساسا - للاستجابة للتقرير سيكون اول اثارها ارتفاع اسعار تذاكر السفر الجوي للمسافرين في اوروبا، وستليها خطوات اخري تحبط الانفاق الاستهلاكي الذي يشكل ما يقرب من نصف مكونات النمو في الاقتصاد العالمي.