من أخطر الأشياء التي تصيب المواطنين بحالة من اليأس والاحباط آلاف القضايا التي تتناول الفساد ولم تحسم منها قضية واحدة.. ما اكثر القضايا التي كشفتها الاجهزة الرقابية وما أكثر الموضوعات التي طرحها الجهاز المركزي للمحاسبات وما أكثر التقارير التي وصلت الي مجلس الشعب ومجلس الشوري.. ودخلت جميعها في سراديب الاهمال وعدم الجدية.. ان ذلك يؤكد ان الدولة ليست جادة بالقدر الكافي في مواجهة قضايا الفساد ولاشك أن ذلك يشجع في النهاية علي المزيد من الانحراف امام فئات المجتمع.. إذا لم يجد المواطن امامه جهات تحترم الامانة وتقدر المسئولية وتعاقب اللصوص فان ذلك يفتح المزيد من فرص الفساد والافساد والتحايل.. ولهذا فان بقاء القضايا الخاصة بالفساد امام المحاكم دون حسم وامام اجهزة الدولة دون عقاب يعطي الفساد فرصا اكبر.. ان اهمال المرض في جسم الانسان يعطي للمرض فرصته في ان يلتهم الجسد العليل وفي ظل غياب الحساب تترك اوكار الفساد تتسع يوما بعد يوم حتي تأكل ما بقي من الضمائر.. والغريب ان تجد المحاكمات وتسمع الصيحات والشعارات الرنانة حول الفساد والمفسدين وينتهي بعد ذلك كل شيء وتبقي القضايا معلقة.. فلا المتهم أدين ولا أحد برأه وهذا أيضا فيه ظلم كبير لأشخاص تم اتهامهم ولم يحاكموا وبقيت التهم معلقة في رقابهم.. هناك اشخاص ماتوا في السجون قبل ان تحسم المحاكم قضاياهم وما بين التأجيل والمرافعة وطلب الاوراق ورد المحاكم ضاعت اعمار الناس بالحق والباطل.. ان تأجيل مثل هذه القضايا الحساسة التي تتعلق بنهب المال العام يسيء للمجتمع في كل شيء.. انها تتحول الي احاديث وقصص وحكايات وفي كل مرة تضاف تفاصيل جديدة واحداث جديدة.. وفي الوقت الذي يحدث فيه هذا التراخي نجد احيانا بعض القضايا التي تحسم في ايام قليلة وتصدر فيها الاحكام وتتساءل لماذا تجئ هذه الاحكام بسرعة رهيبة بينما تنام قضايا اخري بالسنين والشهور والايام.. والاكثر غرابة ان تختفي قضية برمتها وبقدر ما أثارت الغبار حولها بقدر ما انتهي كل شيء في لحظة ويتساءل الناس.. أين الحقيقة.. هل كان الغبار صادقا أم كان التجاهل والتأجيل والمناورة هو الطريق الأسهل.. وفي كل الحالات فإن قطع يد الفساد يحتاج إلي قدر أكبر من الجدية والحساب.