في مصر ثلاجة ضخمة تمتد من أسوان حتي الاسكندرية تضع فيها الحكومة كل ما تريد من قضايا الفساد حتي لا تملأ السماء روائحها الكريهة.. والحكومة إذا أرادت تستطيع أن تلقي ما في الثلاجة علي صفحات الجرائد ووسائل الإعلام، وقد حدث ذلك كثيرا فما أكثر القضايا التي تم حسمها في أيام بل في دقائق ودخل أصحابها السجون، وما أكثر القضايا التي نامت في ثلاجة الحكومة وهدأ كل شيء بعدها. هناك اَلاف الأشخاص الذين نراهم في السجون بلا أسباب وهناك اَلاف من المفسدين الذين هربوا من الحساب بلا أسباب أيضا. وفي الأيام الأخيرة ثارت في مجلس الشعب قضية غرق العبارة السلام 98 ورغم مرور أكثر من عام علي هذه الكارثة فمازالت الأمور معلقة.. لا أحد يعرف أسباب الكارثة ومن المسئول عنها وهناك أعداد كبيرة من أسر الضحايا رفضت أن تتسلم التعويضات وهناك أسماء غائبة ومجهولة وهناك من اختفي في المستشفيات ولم يعرف أحد طريقه.. لقد سمعت سيدة من الاسكندرية وهي تتحدث في برنامج تليفزيوني عن ابنها الذي نجا من الموت وزارته في المستشفي في سفاجا وتحدثت معه ثم اختفي ولم تعرف له طريقا حتي الاَن. والسؤال: أين ذهب هذا الشاب؟ وما سر اختفائه؟ وأمامنا صورة أخري من صور الإهمال والتسيب في هذه القضية وهي هروب صاحب العبارة إلي انجلترا أمام أعين المسئولين في الدولة.. إن المفروض أن تحسم هذه القضايا في وقت قصير جدا ولا يعقل أن تمضي عليها سنوات ثم تدخل ثلاجة الحكومة ولا يعرف عنها أحد شيئا.. ماذا يعني هروب المسئول الأول عن الكارثة.. وماذا يعني دخول القضايا سراديب الإهمال والصمت.. وماذا يعني إخفاء الكثير من الحقائق حول ما حدث وعدم تحديد المسئولية الجنائية للحادث؟ إن ما جري في مجلس الشعب في الأيام الأخيرة لا يمكن أن يكون دليلا علي جدية الدولة في التعامل مع كارثة العبارة لأن مرور عام كامل علي الجريمة دون الوصول إلي حساب قاطع يدين الحكومة ويدين مجلس الشعب هو إدانة لنا جميعا أمام أرواح 1400 مواطن مصري غرقوا تحت أشلاء السفينة.. سوف يجيء وقت الحساب عندما تغلق الحكومة هذه الثلاجة الضخمة التي تلقي فيها من حين لاَخر قضايا الفساد وتوهم المواطنين بأنها تحارب الفساد وتقطع رؤوس المفسدين.