لا أعرف بالتحديد ما هي مشكلة المرور في القاهرة خلال الايام الماضية.. زحام خانق في كل ومختلف الأوقات.. لا فرق بين صباح ومساء ولا فرق بين اجازة وعمل.. "زحام وخلاص علي طول". ولما كان يوم الجمعة - عادة - من الايام التي تبدو فيها الشوارع اقل زحاما ولما كان هذا الامر لم يعد - بالفعل - موجودا، كنت عائداً مساء يوم الجمعة الماضي، بعد رحلة زحام طويلة.. طويلة الي منزلي، في مشوار لا يستغرق عادة عشر دقائق الي ربع ساعة. علي اية حال تداعت الي ذهني كل تلك الاشياء عندما طالعت في جريدة اخبار اليوم امس "السبت" تحقيقا للزميل حسين عبدالقادر، بعنوان "بسيارة طائشة يقودها شاب مستهتر.. اغتيال عصافير الجنة". طفلان عمرهما خمسة، وثمانية أعوام قضي عليهما شاب لا يتجاوز عمره 19 سنة مغتر بقوته، وسيارته، حتي بعد ان امسك به رجال الشرطة، كان يسير معهم بلا مبالاة الي قسم الشرطة. علي الفور قفز الي ذهني احد مشاهد العودة في يوم الجمعة المزدحم، وعلي ناصية شارع اتجاه واحد.. والسيارات متكدسة، تقف عاجزة امام صف من السيارات المخالفة "ملاكي، وتاكسي، ونقل" ووقف الجميع يضرب كفا بكف. لا الملتزم استطاع ان يسير، ولا المخالف استطاع ان ينفذ ولكنها حالة من حالات الشلل والتوقف التام. وسط هذا المشهد العبثي، قدم مهرولا شرطي المرور، وهو يصيح "كده غلط"، مخاطبا القادمين في الاتجاه العكسي، حاملا دفتر المخالفات، شاعرا ان هذه النقطة المسئول عنها تتعرض لمشكلة حقيقية في لحظات. هو لم يكن موجوداً من البداية لمنع بحزم المخالفين من القدوم في الاتجاه المعاكس، ولكنه جاء - مثل كل تصرفات حياتنا، ومستعد لضرب الامثلة من اصغر الاشياء الي اكبرها، ولكن الشرطي جاء متأخرا بعد ان اصبحت المشكلة واقعة بالفعل. محاولا تدارك الورطة التي وقع فيها الطريق، بدأ وبحالة عصبية في تسجيل ارقام السيارات المخالفة، وبالمصادفة كانت أولاها سيارة ملاكي زرقاء يقودها شاب يرتدي كاكسيت في الليل، ولا اعلم سبب هذه الموضة الغريبة. لم يكن الشاب منزعجا بأي حال من "لخبطة المرور" كان يبدو منهمكا في الكلام في تليفونه المحمول، مصحوبا بنوع من الموسيقي الرتيبة المملة الصادرة عن كاسيت السيارة. والشرطي من امامه، ثم اتجه الي مؤخرة السيارة وبدأ في كتابة ارقامها، وهنا بدأ الشاب في الانزعاج، ضغط بعصبية علي كلاكس السيارة عدة ضغطات متلاحقة اعقبها بضغطة واحدة طويلة ممطوطة. ثم وبعصبية شديدة فتح باب السيارة، ونزل صارخا في الشرطي، انت بتعمل ايه يا بني آدم، فقال له الشرطي كده غلط، وهي نفس الجملة التي قالها سابقا ويعلمها الشاب تمام العلم، فالعلامات واضحة، وهنا انتقل الحديث الي مستوي جديد حيث فجأة وبدون مقدمات بدأ الشاب يقول للشرطي "ماتتكلم كويس انت بتغلط في الكلام". في تلك اللحظة بدأ الشرطي يرتج عليه الامر، خاصة عندما اشار اليه الشاب بما يعني "انا ما يهمنيش". خطأ في خطأ من كل الاطراف الشرطي لم يكن موجودا من البداية والشاب كان مغرورا واحمق ومتجاوزاً والشارع ما بين هذا وذاك، يقع قتلي او اطفال يضيعون نتيجة عدم الحزم، والقهر، او الاستعلاء. انتبهوا فما يحدث في الشارع هو المهم، وهو القادم.. المكاتب، والقاعات والغرف المكيفة، وصفحات الجرائد، وشاشات التليفزيون لا قيمة لها. ما يحدث في الشارع هو التعبير الحقيقي عن الخطر القادم. جمال عنايت