تعيش القضية الفلسطينية هذه الايام طفرة من المبادرات التي سارع المجتمع الدولي والعربي في تقديمها لعلها تحرك الركود الذي ساد اجواء المفاوضات، وتوقف نزيف الدم الفلسطيني الذي لا يكاد يمر يوم دون اراقته علي اسفلت الهمجية الاسرائيلية وغطرسة القوة التي تستعرضها شاء المجتمع الدولي ام أبي. هناك المبادرة الثلاثية القادمة من فرنساواسبانيا وايطاليا ويجري العمل علي عرضها علي المجلس الاوروبي في مطلع العام القادم بعد اثرائها بالموافقة البريطانية والالمانية، وهناك حديث عن مبادرة من توني بلير الذي يريد ان يتوج حياته السياسية قبل المغادرة النهائية للعمل السياسي بانجاز قد يحسب له علي صعيد القضية الفلسطينية، وهناك مبادرة ثالثة من يوسي بيلين من خلال تأزيم عسكري واسع النطاق يجعل العالم اكثر انشغالا بتفاصيل الحد منه، والتقليل من نتائجه الكارثية، همّ العرب والعالم والفلسطينيين الحديث عن وقف العدوان بدلا من البحث عن اصل الازمة وبذلك تتواري المبادرات كلها خلف تفاصيل العدوان واولمرت رأس الافعي قال انه ذهب الي واشنطن بمبادرة يسعي الي موافقة البيت الابيض عليها خاصة ان اسرائيل ردت بصلف واستهزاء علي المبادرة الاوروبية التي طرحتها اسبانياوفرنسا وايطاليا والتي تدعو الي وقف اطلاق النار وتبادل الاسري والمؤتمر الدولي، مع امكانية ارسال قوات دولية لمراقبة اية هدنة يتم التوافق بشأنها، فقد اعلنت اسرائيل عبر احد المسئولين ان هذه المبادرة لا معني لها وهي مجرد سخافة، في حين قال اخر انها متسرعة كما شككت مصادر رئيس الحكومة ايهود اولمرت في جديتها مشيرة الي انها لاتحظي بالموافقة الاوروبية علما بان اصحاب هذه المبادرة اشاروا الي انهم سيطرحون افكارها علي الاجتماع المقبل بعد شهر علي المجموعة الاوروبية لتبنيها. في المقابل نجد ان المبادرة العربية التي تصدرت البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب مؤخرا تفتقر الي التفاصيل الا انها تدعو الي عقد مؤتمر دولي يضم جميع الدول العربية وليس دول الطوق كما جرت العادة اضافة الي الدول الكبري واسرائيل وهذه المبادرة ايضا سارعت اسرائيل الي رفضها ولم تقبلها الولاياتالمتحدة، في حين اعتبر الاتحاد الاوروبي ان مبادرته تشكل ردا موضوعيا علي الافكار العربية وبديلا عنها. وفي شأن المبادرتين الاوروبية والعربية فقد توقف بعض المراقبين عند توقيتهما وربطوا الدعوات الي مؤتمر دولي - بصرف النظر عن شكله ومضمونه - بانهما جاءتا متزامنتين مع الهزيمة التي مني بها الحزب الجمهوري وادارة الرئيس بوش في الولاياتالمتحدة فالعرب اعتقدوا انه بالامكان اقتناص لحظة انكسار الادارة الامريكية للتقدم بمبادرة تتزامن مع قرب تشكيل حكومة وحدة وطنية تتبني بطريقة او باخري موقفا سياسيا يقترب بدرجة كبيرة من الحل التفاوضي الذي تبناه أبومازن، في حين ان المبادرة الاوروبية التي تتزامن مع هزيمة حزب بوش تشكل طريقة للبحث عن استعادة الدور الاوروبي في الشرق الاوسط، رغم بأن هذا الدور في المنطقة تجسد من خلال المبادرة الاسبانية التي اطلق عليها "مدريد 2" قبل الانتخابات الامريكية الا ان دخول دول مثل فرنسا وايطاليا لتبني "مدريد2" ربما يعكس هذا التزامن بين اطلاق مبادرة غير مكتملة وضعف الادارة الامريكية بعد هزيمة الحزب الجمهوري مع العلم ان فوز الحزب الديمقراطي لا يعني التعامل مع هاتين المبادرتين الا بما توافق عليه القيادة الاسرائيلية وهذا واضح من تاريخ العلاقة العتيدة بين الولاياتالمتحدة واسرائيل سواء كان الحكم بيد الجمهوريين او الديمقراطيين. اما المبادرة الاسرائيلية التي اطلقها "يوسي بيلين" رئيس حزب ميرتس فتنطلق من جوهر وثيقة جنيف التي تقدم بها مع ياسر عبدربه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عام 2004 والتي رفضتها اسرائيل في ذلك الوقت كونها في الاساس تمنح الفلسطينيين اكثر مما منحته اية مبادرة اخري علي الاطلاق واعتبرتها حكومة شارون في ذلك الوقت مبادرة اعتراضية علي سياسة الحكومة التي اعتمدت القوة المسلحة كوسيلة وحيدة لفرض شروطها علي الشعب الفلسطيني وقيادته. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا تفشل كل تلك المبادرات وتتحول الي ملف ارشيفي يستند اليه الباحثون في استقاء معلومات دونها التاريخ دون تنفيذها، فهي لم تعد اكثر من الحبر الذي كتبت به ولاشك ان جواب هذا التساؤل البديهي معروف وواضح ويعلمه الجميع وهو ان اسرائيل تتعد في تعطيل اي مبادرات وافشال اي اتفاقات فهي تقتلها وترفضها عبر المناورات السطحية والمكشوفة التي تمارسها بعدوانها علي الفلسطينيين من خلال اجتياحاتها العسكرية المتكررة ومسلسل الاغتيالات لكل ما هو حي في الحياة الفلسطينية والحصار والتدمير الامر الذي يفاقم الامور ويعيدها الي نقطة الصفر، وبدلا من ان يكون البحث في آليات لتنفيذ هذه المبادرات يكون الهم الوحيد هو امكانية وقف نزيف الدم الفلسطيني وهذا غاية ما تريده اسرائيل!