انطلقت بنود المبادرة المصرية إبان الحرب الإسرائيلية علي غزة من القاهرة .. وتمت الدعوة للحوار الفلسطيني أو المصالحة الفلسطينية من القاهرة .. وتم الإعداد والتحضير والإعلان عن مؤتمر إعادة الإعمار الذي انطلق من شرم الشيخ من القاهرة أيضا .. وبعد جولة واشنطن التي عقدت قبل نحو أسبوعين استضافت علي أرض مدينة السلام ( شرم الشيخ ) أيضاً الجولة الثانية من المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية برعاية مصرية وأمريكية . لقد شهدت مدينة شرم الشيخ مؤخراً نشاطاً سياسياً مكثفاً للرئيس حسني مبارك في إطار الجهود التي تبذلها مصر لإحلال السلام والاستقرار بالشرق الأوسط وحل القضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية ووقف الاستيطان الإسرائيلي للوصول إلي حل الدولتين . وعقد الرئيس حسني مبارك ثلاثة لقاءات منفصلة مع كل من وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس استعرض فيها رؤية مصر إزاء الجهود الرامية لتحقيق النجاح المنشود في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي شارك الرئيس مبارك في إطلاقها بواشنطن قبل أسبوعين من أجل التوصل إلي اتفاق يحقق حل الدولتين والدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية . وعرض الرئيس رؤية مصر في هذا الخصوص بما في ذلك ما أكد عليه في واشنطن من ضرورة وقف الاستيطان الإسرائيلي بالأراضي الفلسطينية المحتلة ودعوة الجانب الإسرائيلي لاغتنام الفرصة السانحة حاليا ومقابلة اليد العربية الممدودة بالسلام وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة علي حدود ما قبل الخامس من يونيو 67 وعاصمتها القدسالشرقية وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين . وهو ما يؤكد أن الأحداث أثبتت أنه مازال الملف الفلسطيني الفلسطيني والفلسطيني الإسرائيلي مرهونا أي تقدم بشأنه بدور الإدارة المصرية الرشيدة .. والذين راهنوا علي ما يسمي بالقوي الممانعة ، أي الأنظمة والجماعات الراديكالية التي أدمنت النضال عبر الميكروفونات والفضائيات وأدمنت أكتساب شرعية وجودها من التصريحات الكلامية الحنجورية وباعت قضايا المجتمع الحقيقية في سوق المزايدات وبورصة الاستشهادات المجانية ، أقول من راهنوا علي تلك القوي فقد أصيبوا الآن بخيبة أمل فمازالت قوي الرشد والعقلانية وحسن إدارة الأزمات والإحساس بالمسئولية تجاه شعوبها هي الطرف الأصيل والناضج والنزيه وهي الوسيط القادر علي الإمساك بخيوط الحالة السياسية .. فقد سقطت الأكذوبة التي روجتها أجهزة الإعلام الاختطافية حول تدهور الدور المصري إقليمياً وسقطت الشعارات المخادعة كافة الأحداث من التي روجتها بعض الأقلام عن تدني أو تراجع الأداء السياسي والآداء الدبلوماسي .. فقد كشفت الحرب الإسرائيلية علي غزة وحتي الآن أن الدور المصري مازال هو الدور الأصيل والأساسي لأي تقدم في القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي كما أن السياسة المصرية عبر دبلوماسيتها مازالت الطرف الأصيل للمصالحة الفلسطينية الفلسطينية .. من منطلق التوازن بين الطموح والواقع ... التوازن الذي ينطلق من المصلحة الوطنية المصرية وترسيخ المفهوم الآمني الوطني وأنه لا يجوز تجاوز الخطوط الحمراء لهذا الأمن .. وأن الأمن القومي العربي لابد وأن ينطلق أساسا من الحفاظ علي الأمن الوطني .. وهذا التوازن السياسي والاستراتيجي الذي تنتهجه السياسة المصرية ودبلوماسيتها يؤكد أنها تحافظ علي المسافات سواء بين مهمتها ودورها الإقليمي وبين مخاطر التهور والاستدراج في أجندات اتقلابية لأطراف النزاع سواء علي الصعيد الفلسطيني أو الإسرائيلي وأيضا المسافات الموضوعية بين الأطراف الفلسطينية .. وهذا النهج يرد علي المتشككين في مصداقية الدور المصري كوسيط نزيه وموضوعي والدليل أن مصر دعت منذ اللحظة الأولي في الحرب الإسرائيلية علي غزة إلي الوقف الفوري لإطلاق النار .. وفي إطار التحرك العربي والدولي بذلت جهوداً حثيثة لتأمين صياغة قرار مجلس الأمن رقم 1860 الذي صدر يوم 8/1/2009 بهدف حقن الدم الفلسطيني وإنهاء العدوان ومن منطلق الإدراك أن قرار مجلس الأمن سيحتاج إلي آلية لتنفيذ وقف إطلاق النار استبقت القاهرة الأحداث وامتلكت زمام المبادرة حيث كان الرئيس قد أعلن عن المبادرة المصرية في 6/1/2009 والتي تضمنت بنودها استراتيجية متكاملة لحل الأزمة تشمل إلي جانب وقف إطلاق النار وتثبيت التهدئة عملية المصالحة الفلسطينية وإعادة الإعمار وذلك من منطلق ما أكده أمام القمة العربية بالكويت منذ اليوم الأول للعدوان أن غزة لا تحتاج لبيانات الشجب والإدانة قدر احتياجها لتحرك عملي عاجل بوقف الاعتداءات الإسرائيلية وبحقن الدماء وطرحت مصر المبادرة الوحيدة للخروج من الأزمة في غياب أية مبادرات أخري ونجحت فيما فشل فيه الآخرون وتم وقف إطلاق النار يوم 20/1/2009 ومصر عملت لصالح الشعب الفلسطيني الذي يعاني من جراء العدوان من ناحية ومن جراء الانقسام من ناحية أخري بينما عمل آخرون لأطراف علت أصواتها وانعدمت أفعالها . لماذا هذا السرد لهذا التاريخ القريب .. لكي يتذكر تيزكر المتآمرون أن القاهرة ستظل هي الوسيط الأمين والنزيه الذي تدرك دورها الحقيقي كعاصمة لدولة كبيرة شاء من شاء وأبي من أبي .