أرادت قطر أن تلعب دورا محوريا في المنطقة يعطيها الزخم والقوة التي ترجوها سياسيا كما هو حالها اقتصاديا علي اعتبار أنها دولة غنية بالغاز والبترول بالاضافة إلي علاقتها وقربها من حركة حماس وفي الوقت ذاته قربها وولاؤها الشديد لواشنطن وما يتردد عن علاقتها الخفية بإسرائيل. هذا الدور تجسد في مبادرة وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم ال ثاني الذي بذل جهودا كبيرة في الأيام الماضية لتضييق الهوة بين الرئاسة والحكومة. ورغم الاجواء السلبية التي أعقبت الزيارة والاعتقاد بأن مبادرة وزير الخارجية القطي كانت تشكل الفرصة الأخيرة أمام امكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية، وأن مغادرته دون التوصل لاتفاق قد أغلقت السبل إلي مثل هذه الحكومة خصوصا أن الوزير حمد بن جاسم كان قد زار دمشق مرتين خلال أسبوع واحد فإن من راهن أو يراهن علي أن الجهد القطري يمكنه أن يضع حلا لأزمة مستفحلة كالتي يعانيها الفلسطينيون ذلك أن تجاوز قضايا الخلاف وهي جوهرية لا يمكن أن يتم عبر وساطات خارجية إذ كل ما تفعله مبادرات من هذ النوع هو الضغط علي الاطراف ربما للمساعدة في وضع اطر عامة. وإذا يمكن تلخيص الجهد القطري علي أنه محاولة من دولة عربية تحظي بعلاقات جيدة مع حركةحماس خاصة بعد أن أغلقت معظم الدول العربية الابواب في وجه حكومة حماس لسبب أو لآخر وكانت قطر من الدول القليلة التي احتضنت حركة حماس وفتحت لها حدودها واعلامها وخزائنها فهي تساهم في الحصة الأكبر من موازنة حكومة حماس ومكنت مساهمتها الأخيرة (50 مليون دولار) الحكومة من دفع سلفة مالية للموظفين المضربين عن العمل منذ أكثر من خمسة وأربعين يوما. لقد اختلفت الآراء حول الحكم علي المبادرة القطرية بالنجاح أم بالفشل ورغم إعلان الشيخ حمد أن المبادرة قد فشلت بسبب الخلاف حول نقطتين لم يتم التوصل إلي حل بشأنهما وأن النقطة الاساسية في الخلاف تكمن في كيفية الاعتراف المتبادل بين إسرائيل والحكومة الفلسطينية وكيف يتم الوصول إلي صيغة تكون معها دولتان فلسطينية وإسرائيلية بالاضافة إلي الاعتراف بالمبادرة العربية التي تتضمن اعترافا ضمنيا بإسرائيل وهو الأمر الذي ترفضه الحكومة والحركة رفضا قاطعا. وإن كان الشيخ حمد قد فشل في أن يكون طرفا شاهدا علي الاتفاق لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية إلا أنه نجح من حيث فشل الآخرون في تمهيد الطريق لتشكيل هذه الحكومة وإعادة الطرفين من جديد إلي مسار المشاورات والمفاوضات.. ولعل من مؤشرات ذلك أن الرئيس عباس لم يغادر غزة ولم يظهر منه بوادر احتجاج مما يعني أنه لا يزال يترك الباب مفتوحا علي امكانية عقد المزيد من جلسات الحوار خاصة أن حركة حماس بحاجة إلي إجراء تفاعلات داخلية من أجل تحديد ما يمكن أن تقبل أو لا تقبل به. الحقيقة أن النقاط الست التي حملها الوزير حمد تنطوي علي قدر من الوضوح والتحديد أكبر بكثير من النقاط والمحددات السبعة التي سبق أن اتفق عليها الرئيس عباس مع رئيس الحكومة خلال الشهر الماضي قبل أن يتم التراجع عنها والنقاط الست أقرب إلي تلبية الشروط والاستحقاقات الدولية من النقاط السبع وبالتالي فهي أثقل علي حركة حماس. حماس من جانبها تعلل رفضها للمبادرة القطرية بعدم قدرة حكومتها علي تبني برنامج يتناقض مع الثوابت الفلسطينية التي تتبناها في اشارة إلي أحد المطالب الدولية من الحكومة وحركة حماس الاعتراف بالدولة العبرية التي لا تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، وأن الحركة غير مستعدة لاعطاء شرعية مجانية للاحتلال وهي نفس النقطة الخلافية التي برزت منذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الأخيرة. هذا المنعطف الخطير في حياة القضية الفلسطينية يبدو أنه يحصر الخيارات أمام الرئيس عباس، خاصة بعد تسريبات بأن حكومة تكنوقراط أو حكومة طوارئ ستكون في الاعتبار للخروج من الأزمة بما فيها إجراء استفتاء ودعوة لإجراء انتخابات مبكرة وهو الأمر الذي ترفضه حماس وتهدد باتخاذ خطوات مضادة فيما لو حدث ذلك وأن كل الخيارات مفتوحة أمامها. لكن القيود القانونية التي فرضها القانون الاساسي المعدل للسلطة الفلسطينية علي رئيس السلطة في عهد الراحل ياسر عرفات بلا شك تحد من قدرة الرئيس عباس علي اللجوء إلي أي من هذه الخيارات إلا أنه يجد نفسه الآن مطالبا بايجاد حل للأزمة باعتبار أنه علي رأس السلطة ويجب أن يتخذ قرارا إزاء التدهور الشامل الذي يشهده المجتمع حيث المدارس مغلقة والمؤسسات لا تعمل والاقتصاد مشلول. وبين رحي هذه الخلافات التي لا يبدو لها حل في الأفق القريب هناك شعب يتضور جوعا، ويأكله اليأس في تحقيقة حياة كريمة وفي النهاية يتطلع الجميع لأن يقول الرئيس محمود عباس شيئا لحسم هذه الأزمة الطاحنة حتي ولو كان تقديم استقالة والاعلان أنه لم يعد قادرا علي فعل شيء!