حوار مع النفس! "خلال النهار يتظاهر رجال الشرطة وجنود الجيش الافغاني بأنهم يقاتلون لصالح الحكومة لكن خلال الليل فان الشرطة والجنود ينضمون الي طالبان والقاعدة". هذا ما اوردته كارلوتا جول مراسلة صحيفة "نيويورك تايمز" الامريكية ضمن تحقيق صحفي مطول خلاصته ان المدن الرئيسية في افغانستان اصبحت علي وشك السقوط في ايدي قوات طالبان. هكذا بعد خمس سنوات من احتلال افغانستان وثلاث سنوات من احتلال العراق يكون الحصاد الامريكي تحت الصفر.. علما بان الوضع الافغاني صار اسوأ من الوضع العراقي كما تروي الصحفية الامريكية.. انه تحقيق صحفي مثير حقا انه يعيد الي الاذهان اصداء الشهور الاخيرة التي سبقت الهزيمة الامريكية النهائية في فيتنام عند منتصف سبعينيات القرن الماضي.. حملة تنظيم طالبان الجارية خلال الجزء الاخير من فصل الشتاء من العام الماضي بعمليات استشهادية واغتيالات متتالية.. وما ان حل فصل الربيع الذي يليه حتي تبلورت صورة جديدة.. فقد اصبح لقوات طالبان -كما يقول التحقيق الميداني لمراسلة نيويورك تايمز- وجود قتالي في جميع ولايات افغانستان دون استثناء.. ويبدو ان الاستراتيجية العليا لطالبان هي الاستيلاء علي العواصم الاقليمية - الوحدة تلو الاخري - تمهيدا للزحف علي العاصمة كابول.. وبناء علي هذه الاستراتيجية فان قوات التنظيم باتت الان منتشرة وبكثافة في المناطق الريفية المحيطة بالمدن حيث يتبرع لهم اهالي القري بالاغذية والمأوي.. وفي هذا السياق تقول المراسلة الامريكية "ان وصول اعداد كبيرة من قوات طالبان الي القري يمثل ضربة قوية للثقة الجماهيرية في الحكومة الافغانية التي تتراجع مكانتها بسبب الفساد وضعف القيادة".. ومثل هذه الملاحظة الخطيرة وردت ايضا في تقرير لبعثة الاممالمتحدة في افغانستان تقول نيويورك تايمز ايضا انها اطلعت عليه.. وتنقل الصحيفة عن احد حكام الولايات ويدعي عبدالحكيم منيب قوله: "ان الموقف الامني سيئ" وان عدد قوات طالبان يعادل عدة اضعاف اعداد الشرطة والجيش الافغاني.. لذا نفهم ان هناك ثلاث ولايات باتت في متناول يد طالبان وهي اورورجان وهلمند وقندهار.. وهناك ثلاث ولايات اخري اصبحت طالبان تسيطر علي اجزاء منها وهي زابول وجازفي وباكتيكا بناء علي هذه التحولات اصبحت الادارة الامريكية قلقة تجاه ما يمكن ان تأتي به الاسابيع المقبلة.. وتنقل نيويورك تايمز عن مسئول استخباراتي عربي قوله انه بينما يعتبر كبار المسئولين في ادارة بوش ان الوضع في العراق ليس بمستوي السوء الذي تعكسه الوسائل الاعلامية فانهم يعتبرون الوضع في افغانستان اسوأ مما يعكسه الاعلام. وبعد فان المرء ليتساءل: ماذا حققت الولاياتالمتحدة في افغانستان بعد خمس سنوات من الاحتلال والقتال؟ امنيا ازدادت طالبان قوة وشعبية وتعاظم تنظيم "القاعدة" بزعامة بن لادن والظواهري وزاد نشاطا وتحديا.. واقتصاديا صار حال الافغانيين اسوأ مما كان عليه بعد ان انتقلت الاموال المرصودة لاعادة الاعمار عبر طرق الفساد الملتوية الي حسابات عصابة تتكون من طاقم الحكام والجنرالات الامريكيين وشركات امريكية تقدم مشاريع وهمية. وكما كان الحال في الحرب الفيتنامية فان اكبر الرابحين هم شركات انتاج السلاح الامريكية ووكلاؤها من كبار مسئولي البنتاجون.. واخيرا.. نشر تقرير رسمي شديد التشاؤم عن الوضع في افغانستان ويؤكد بان الدولة سوف تنهار.. ويشير التقرير ايضا الي ازدياد تجارة الافيون..!! فبعد خمس سنوات من الاطاحة بحكم طالبان، اصبحت تجارة الهيروين هي المصدر الرئيسي للدخل الحكومي ويعتمد الشعب كله علي ما يكسبونه في تمويل احتياجاته الضرورية والانفاق علي السلع المستوردة من الخارج! واسوأ ما في التقرير الذي نشر اخيرا، الاعتراف بمقتل اكثر من 3700 من المدنيين في المعارك التي دارت منذ بداية عام 2006 وهذا الرقم يفوق باربعة اضعاف ضحايا عام 2005..! واشار التقرير الي حدوث "تقدم محدود" في مجال اعادة بناء افغانستان والتقرير كان قد تم اعداده وقدم الي اعضاء من مجلس الامن الدولي. وقد جاء في تعليق للسفير الياباني "كنزو اوشيما" الذي كان يرأس البعثة الدولية التي زارت كابل لتقويم "حاجات" افغانستان، بان افغانستان تواجه "تحديات خطيرة" اهمها ظهور وتنامي قوة طالبان من جديد.. وقال ايضا: من المؤشرات المقلقة جدا ازدياد انتاج الافيون بنسبة 95% هذا العام وزيادة مساحة الاراضي المزروعة به الي 165 الف هكتار مقابل 104 آلاف هكتار عام 2005 موزعة علي 28 ولاية افغانية من اصل 34 ولاية وبصورة رئيسية في ولاية هلمند الجنوبية. السؤال المهم هو: أين الرئيس كرزاي مما يحدث في بلاده؟! يقول مساعدوه انه يعمل طبقا للتقاليد الموروثة في افغانستان ويسعي لبناء ديمقراطية علي انقاض الحرب والفساد والتدخل الاجنبي.. اما منتقدوه فيقولون بانه يتراجع دائما وراء اسوار قصره الذي يرجع بناؤه للقرن التاسع عشر وانه فاقد الاحساس بما يجري في بلاده التي تتجه نحو مزيد من المتاعب.. وهو لا يدري. وقد يكون السبب في ذلك الافيون الذي تنتجه بلاده بكثرة..!!