التظاهرة التي انطلقت في شوارع القاهرة يوم الخميس الماضي لعدد من السيدات والفتيات حملت لافتات تقول "الشارع لنا ومش حنسيبه" وذلك احتجاجا علي التحرشات الجنسية التي تحولت إلي سلوك يومي في الشارع. وأيا كانت الاتجاهات السياسية للذين نظموا هذه التظاهرة ودوافعهم الأخري فإن الشارع فعلا من حقنا ويجب أن نعمل علي أن يعود الأمن والأمان بكل مفاهيمه وأشكاله إلي الشارع، فالقضية لا تتعلق بالتحرش الجنسي فقط وإنما تمتد إلي مفاهيم الأمن التي باتت شبه مفقودة في الشارع. فنحن أولا نطالب بأن يكون هناك رصيف للمشاة نستطيع السير عليه، فالمحلات التجارية والورش والمطاعم والمقاهي احتلت الأرصفة في مشهد غريب في كل أحياء القاهرة بحيث أصبحنا لانجد مكانا للسير وبحيث تتعرض يوميا لمخاطر الأحداث المرورية وما شابهها. والشارع أصبح ملكا للبلطجية والفتوات الذين احتلوا الأرصفة وجعلوا من أنفسهم ملاكا لها بقوة الذراع والعضلات ولا يتوقفون عن التعرض لمن يجرؤ أو يغامر بوضع سيارته في مواجهة هذه الأرصفة. ولقد سمعنا الكثير من الوعود والتصريحات الرسمية بإزالة مخالفات الطرق التي تقام فوق هذه الأرصفة وبمنع الباعة الجائلين من احتلالها، ولكن كالعادة فإن سياسة الأمر الواقع هي التي تطبق ومن ضم الرصيف إلي ممتلكاته الخاصة لا يتنازل عن هذا الحق لمجرد أنه يعلم بمخالفة ذلك للقانون. والشارع أصبح مخيفا ومليئا بجيوش المتسولين المنظمة والمدربة علي ملاحقة الضحايا ومهاجمتهم وتأديب من يتعرض لهم. وفي شوارع منطقة المهندسين والعجوزة والدقي وحيث يتواجد السائحون العرب وأسرهم في فصل الصيف فإن شكواهم المستمرة تنصب حول اعتداءات المتسولين عليهم ومحاولة الحصول علي نقود ولو بالقوة وارهاب أطفالهم وزوجاتهم بالأسلوب الذي تتم به هذه الملاحقة في ظل غياب وجود أمني ظاهر يمنع هؤلاء المتسولين ويحد من ملاحقاتهم ومضايقاتهم. وليت الأمر يقف عند حدود المتسولين وتجاوزاتهم فإن الشارع يعج بالكثير من المخاوف الأخري ولعل أخطرها الآن ما يسببه هذا الكابوس المسمي "بالميكروباصات" التي يقودها في الغالب سائقون لا علاقة لهم بآداب ولا قواعد المرور والذين يتعاملون مع الركاب بكل الفظاظة وانعدام الاحترام ويقودون سياراتهم بطريقة جنونية غير مبالين لا بقانون ولا برجال القانون..! وهذه الفوضي في شوارعنا هي أخطر ما يصيب مجتمعنا بالقلق والتوتر ويجعل الباب مفتوحا لكل أنواع وأشكال الجرائم بما فيها التحرش الجنسي الذي لم يأخذ شكلا فجائيا كما يعتقد البعض بقدر ما هو أسلوب حياة يمارس يوميا في شوارعنا وأمام مدارسنا وفي وسائل المواصلات العامة دون حماية تذكر لبناتنا ونسائنا ودون قوانين صارمة لمعاقبة المتحرشين والإ قاع بهم. وهذا التحرش لا يقع في شوارع العاصمة وحدها، إذ إن الصورة في القاهرة أقل إيلاما مما يقع في محافظات الوجه البحري حيث تضطر الفتيات إلي ركوب القطارات ووسائل النقل العام للذهاب إلي مدارسهن وجاتهن وحيث يضطرن في بعض الأحيان إلي العودة في أوقات متأخرة مما يجعلهن تحت رحمة شباب اعتادوا انتظارهن في هذه القطارات المظلمة وحيث يمتد التحرش إلي أكثر من الألفاظ الجارحة..! واختطاف الشارع جريمة في حق المجتمع لأن اختطاف الشارع يعني اختطافنا معه وخلق حالة من الهلع والخوف في داخلنا من المجهول الذي ينتظرنا في أي مكان ولأي سبب. ولم يعد غريبا علي سبيل المثال أن يحمل الكثير من الناس منهم في سياراتهم أدوات حادة تستخدم كأسلحة هجومية أو دفاعية عند وقوع مشاجرة بسبب حادث ما أو استفزاز تعرضوا له، وجرائم المشاحنات من هذا النوع كثيرة ومتعددة في شوارعنا يوميا. ولم يعد أمراً مستغربا أيضا أن نجد أن بعض النساء صرن أكثر عدوانية ووحشية في قياداتهن لسياراتهن وفي سلوكهن من الرجال من منطلق أنه إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب..! والحديث في هذا الموضوع طويل ومتشعب ومثير للألم والحسرة علي واقعنا وما وصلت إليه الأمور من فوضي في شوارعنا ولا يمكن في ذلك أن نلقي بالمسئولية كلها علي الجانب الأمني فقط إذ إن القضية أخلاقية ثقافية في المقام الأول وهي قضية سلوك تمادي في تجاوزاته لأن القانون لم يكن رادعا ولأن المجتمع لم ينتبه إلي خطورة ما يحدث في الشارع وانشغل كل واحد منا بشأنه الخاص وتركنا الشارع يتم اختطافه بدون أن نتحرك لإنقاذه وانقاذ أنفسنا معه وهذا ما يجب أن تتواصل الجهود حوله الآن فالشارع من حقنا ولنا و"مش هانسيبه"..! Sayedelbably@ hatmail.com