تخلت موسكو بعد سقوط الاتحاد السوفيتي عن النظام الشيوعي وسقط بذلك العداء التقليدي الذي نشب ايام الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي وحلفاء الاطلنطي الغربيين.. ومع ذلك فان ملامح السياسة الروسية باتت تتضح في خلافات اساسية مع الدول الغربية حول كيفية معالجة القضايا الدولية مثل الحرب والسلام في مختلف بقاع العالم. والصين هي الاخري تغيرت سياساتها في الحقبة الاخيرة رغم ان نظامها السياسي لايزال يتبني المنهج الشيوعي ومع ذلك فان منطق العداء التقليدي لدول الغرب سقط وبات هناك نوع من التعاون والتنافس في اطار من المصالح الحيوية لكل من الجانبين فتنضم الصين الي دول الغرب في قضايا معينة وتقف ضدها في قضايا اخري ويبدو ذلك واضحا من تحرك الدول دائمة العضوية في مجلس الامن ازاء مسائل مثل غزو العراق، وفرض عقوبات علي ايران او كوريا الشمالية بسبب طموحاتهما النووية. وتؤكد حركة موسكو وبكين علي المستوي الدولي ان تغيرات جوهرية حدثت في العلاقات الدولية وفي كيفية ادارة تلك العلاقات حيث نبذت القوي العظمي مثل الولاياتالمتحدة وروسيا والصين فكرة العداء المطلق او الصداقة العمياء. بالطبع تسعي كل دولة لتجنيد حلفاء لها يتطابقون معها في المواقف التي تهمها وتحرص في نفس الوقت علي الا تساير اي دولة اخري في مواقف قد تضر مصالح تخصها.. اي ان المسألة باتت تعتمد علي حكمة القيادات ورؤيتها الاستراتيجية السليمة في اتخاذ المواقف المتعلقة بالشئون الدولية. والمواقف المتوازنة المبنية علي رعاية المصالح لكل دولة تتطلب ان تكون الدولة قوية بدرجة كافية لكي يكون بامكانها اتخاذ موقف متوازن يرعي مصالحها الوطنية وبحيث تكون قادرة علي مقاومة الضغوط من اي جانب. وقوة اي دولة تنبع من داخلها من قدرتها علي ادارة ذاتها بحكمة وقوة ووضوح في الرؤية بالنسبة للاهداف الوطنية. ولا يفيد كثيرا في المجتمع الدولي اتخاذ المواقف العنترية القائمة علي التحدي لضرورات السياسة الدولية.. او اصطناع العداء مع القوي العظمي او الاختباء وراء شعارات الصراع الثقافي بين الحضارات او بين الشرق او الغرب او ما الي ذلك. التوازن هو محور سياسات المستقبل، وليس لغير الاقوياء نصيب فيه، ولن يجدي التعلق بحليف قوي بارز لانه لن يحمي الا في حدود مصالحه. الاستثناء الوحيد هو في علاقة اسرائيل بالولاياتالمتحدة.