يعتقد كثيرون أن الصين هي الدولة التي تقوم عملتها بأقل من قيمتها الحقيقية إلي أقصي حد، ولكن الحقيقة هي أن الين الياباني أرخص من اليوان الصيني.. وتعتقد مجلة "الإيكونوميست" أنه لن يمر وقت طويل حتي تضع أوروبا وأمريكا اليابان إلي جانب الصين كدولتين تقومان عملتيهما بأقل من قيمتهما الحقيقية. وحتي العام الحالي كان لضعف الين تفسيره حيث ظل البنك المركزي الياباني منذ عام 2001 يطبع أطنانا من النقود ليحارب بها الانكماش وأزمة السيولة ومع زيادة المعروض من الين يكون من الطبيعي أن ينخفض سعره أمام العملات الأخري. ولكن مع توقف البنك المركزي الياباني عن هذه السياسة في العام الحالي يصبح ضعف الين لغزا محيرا.. فقد انتهي الانكماش ورفع البنك المركزي الياباني سعر الفائدة في يوليو الماضي بعد أن ظل صفرا لمدة خمس سنوات.. وأكثر من ذلك فقد حقق ميزان المدفوعات الياباني فائضا في الحساب الجاري حجمه 165 مليار دولار في العام الأخير حتي يولية الماضي، في حين كان الفائض في الحساب الجاري الصيني عام 2005 لا يتجاوز ال 161 مليار دولار، وإن كان ينتظر أن يزيد في عام ،2006 وهذا معناه أن الين كان يجب أن يرتفع سعره. ومع ذلك فمنذ مارس الماضي هبط سعر الين قليلا أمام الدولار كما هبط 8% أمام اليورو الذي أصبح في سبتمبر يساوي 150 ينا وهو رقم قياسي وإن كان قد تراجع قليلا الاَن.. وتجدر الإشارة إلي أن الين هبط سعره بنسبة 35% أمام اليورو منذ عام 2001 في حين أن سعره لم يتغير كثيرا أمام الدولار الأضعف. وضعف الين لا يتوقف عند قيمته الاسمية فحسب وإنما يري كثيرون أن انخفاض الأسعار في اليابان قد اكسب الين قوة تنافسية إضافية انعكست بالتالي علي حجم الصادرات. ويوضح مؤشر بيج ماك الذي ترعاه "الإيكونوميست" أن الين هو أشد عملات البلدان المتقدمة المقومة بأقل من قيمتها الحقيقية.. ويري ستيفن جين خبير مورجان ستانلي أن الين مقوم بأقل من قيمته بنسبة 12% أمام الدولار في حين أن اليوان الصيني مقوم بأقل من قيمته بنسبة 7% فقط أمام الدولار أيضا.. ويعتقد الرجل أن قيمة الين تقل في الواقع 30% عن قيمته العادلة. وتتساءل "الإيكونوميست" إذا كان الين مقوما بأقل من قيمته إلي هذه الدرجة، فلماذا لا يشكو شركاء اليابان التجاريون منه بصوت عال مثلما يشكون من اليوان الصيني؟ الحقيقة أنهم بدأوا بناقشون هذه المسألة حيث يري كثير من وزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية في أوروبا ومن بينهم جين كلود تريشيه رئيس البنك المركزي الأوروبي أن الين لا يتحمل مسئوليته العادلة عن ضعف الدولار ولكن المفارقة هي أن الين معوم بالكامل ويتداول بحرية في حين أن اليوان لا يزال خاضعا لسيطرة الحكومة الصينية أي إن ضعف الين يبدو ثمرة من ثمار حرية العرض والطلب.. ومثل هذه العملة الرخيصة تعتبر استثمارا جيدا. ولكن لكي نتوقع بدقة إلي أين يتجه الين علينا أن نفهم أسباب ضعفه الحالي وهي أسباب يأتي علي رأسها أن سعر الفائدة عليه الذي لا يتجاوز ربع في المائة سعر غير جذاب بل أكثر من ذلك فإن التضخم يأكل ما هو أكثر من هذا الربع في المائة، وبذلك يصبح سعر الفائدة الحقيقي ربما أقل من الصفر. والتفسير الشائع لوهن الين هو الاقتراض بالعملة الرخيصة لشراء أصول في أماكن أخري ذات عائد مرتفع وهي عملية تنطوي في نهاية الأمر علي بيع كثيف للين وهو ما يخفض سعره.. وإذا كان الأمر كذلك فإن الين يمكن أن يسترد قوته بسرعة وحدة إذا ما تعثر الاقتصاد الأمريكي، وانخفضت أسعار الفائدة الأمريكية بحيث تقترب من سعر الفائدة اليابانية.. ولكن هناك من يشكك في هذه النظرية لأنها لا تفسر هبوط الين أكثر أمام اليورو.. فمعظم الاستثمارات تتم بالدولار وليس باليورو كما أن تدفق الاستثمارات الخارجة من اليابان قد تباطأ في الأشهر الأخيرة. ولذلك يقدم ستيفن جين تفسيرا بديلا لضعف الين الأشد أمام اليورو ويدخل في اعتباره صافي التجارة وتدفقات رأس المال الخاصة بالبلدان الاَسيوية والبلدان المصدرة للبترول وهي تحقق فائضا في ميزانها الحسابي سيناهز ال 900 مليار دولار هذا العام. فالعالم يشتري من هذه البلدان وهي تستثمر فوائضها في الأسواق المالية، وهي تفضل الأسواق المالية الأمريكية الأكثر شفافية واستقرارا، كما تستثمر أيضا في بريطانيا ومنطقة اليورو.. ولكن ارتفاع الاحتياطيات الأجنبية لدي الدول الاَسيوية والدول المصدرة للبترول يلعب دوره في إضعاف الين أكثر أمام اليورو.. وهذا الأمر نفسه يفسر قوة الجنيه الاسترليني الذي تشير الأرقام إلي أنه تحول أخيرا ليصبح عملة الاحتياطيات الأجنبية الثالثة في العالم بعد الدولار واليورو بدلا من الين. وإذا صح هذا التحليل فسيعني أن الين مؤهل لكي يبقي طويلا عملة ضعيفة.. أطول مما يتوقع كثير من المحللين.