لم يكن مستغربا بالطبع الا تقبل اي من الدول الاوروبية التوقيع علي الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين واسرهم الصادرة عام 1990 والتي صدقت عليها تسع من دول الجنوب عام 1998 كما كان من الطبيعي ان تزداد الاجراءات المشددة التي تقيد من مسألة "لم الشمل العائلي" التي كانت موضع احترام الجميع في السابق. ورغم ان التشديد في اجراءات قبول المهاجرين اسفر ربما عن تقليل اعداد المهاجرين الشرعيين الا انه ساهم في تزايد ظاهرة المهاجرين غير الشرعيين. فتشكلت عصابات تهريب العمالة الي دول الشمال الاوروبي وتواصل اندفاع موجات المهاجرين الافارقة علي السواحل الجنوبية للقارة الاوروبية بشكل لم يسبق له مثيل. وتحفل التقارير الصحفية المتواترة بالعديد من قصص مغامرات الراغبين في الهجرة التي كلفت الكثيرين حياتهم غرقا في قوارب او اختناقا في حاويات دبرتها عصابات التهجير. وتشير احدي الاحصائيات الي ان اكثر من ستة الاف لقوا حتفهم وهم يحاولون دخول القارة الاوروبية منذ 1993 مقارنة بنحو 500 مهاجر توفوا علي الحدود الامريكية المكسيكية العام الماضي. ورغم معرفة الفقراء الراغبين في الهجرة بما تكتنفه مغامراتهم من مخاطر ربما تودي بفرصتهم في البقاء علي قيد الحياة قبل الوصول الي الجنة الموعودة التي بها يحلمون او ما قد يتعرضون له من اجراءات تعسفية وضغوط مع تزايد مشاعر الكراهية ضد العرب والمسلمين وصعوبة التكيف مع ثقافات تختلف الي حد بعيد عما تربي عليه المهاجرون الا ان الامل في الحصول علي فرص افضل للعيش والهروب من واقع اقتصادي مؤلم يدفعهم لركوب الخطر ولا شك ان ارتفاع معدلات البطالة في الدول المصدرة للمهاجرين من اهم اسباب الرغبة في الهجرة حيث وصفت منظمة العمل العربية في تقرير نشر في مارس 2005 الوضع الحالي للبطالة في الدول العربية ب الاسوأ بين جميع مناطق العالم دون منازع فضلا عن ان نحو 60% من المواطنين العرب دون سن الخامسة والعشرين. ويقدر تقرير اصدره مجلس الوحدة الاقتصادية التابع لجامعة الدول العربية ان نسبة البطالة في العالم العربي تتراوح بين 15 و20% وتتزايد سنويا بمعدل 3% وتنبأ التقرير بأن يصل عدد العاطلين في البلاد العربية عام 2010 الي 25 مليون عاطل. كما تساهم حالات الحروب والاضطرابات المحلية والكوارث الطبيعية والمجاعات في زيادة الاقبال علي الهجرة حيث تشير احصاءات الاممالمتحدة الي ان نحو 18 مليون افريقي في طريقهم الي الشمال ويوجد الكثيرون منهم حاليا قرب سواحل البحر الابيض او تائهون في الصحاري. تدابير صارمة وتشير استطلاعات الرأي مؤخرا الي تفاقم حدة الصراع الاجتماعي في الدول المستقبلة للمهاجرين بين من يعتبرون انفسهم اهل البلاد الاصليين وبين القادمين من الجنوب فقد اعتبر 52% من الاشخاص الذي اجابوا مؤخرا علي استطلاع لمعهد بيو في الولايات المتجدة المهاجرين عبئا اقتصاديا كما اشارت استطلاعات مشابهة الي ان 60% علي الاقل من البريطانيين والفرنسيين قالوا ان اعداد المهاجرين في بلادهم تزيد عن اللازم واتفق غالبية البريطانيين في استطلاع اجري لصالح مؤسسة اميجريشن ووتش البحثية علي ضرورة وضع حد اقصي سنوي للهجرة راصدا مخاوف البريطانيين من تأثير الهجرة علي خصوصية السمات الثقافية لبلادهم وذكرت وكالة الانباء الالمانية ان 71% ممن شملهم الاستطلاع رأوا اهمية اعطاء حكومتهم الاولوية لاعادة البريطانيين لاعمالهم بدلا من استقبال مزيد من المهاجرين لشغل وظائف شاغرة ومع تزايد قلق دول الشمال من ظاهرة الهجرة غير الشرعية سعت هذه الدول الي تشديد الاجراءات الامنية وسن القوانين الصارمة وتحصين حدودها ففي الشهر الماضي اعلن الرئيس الامريكي جورج بوش ارسال قوات اضافية قوامها ستة الاف جندي لمحاربة الهجرة من خلال تشكيل فرق للتدخل السريع بحسب تصريحات متحدث باسم مفوض الامن والعدل في الاتحاد الاوروبي فرانكو فراتيني الذي اعلن ان الاتحاد يفكر في تشكيل وحدة مشتركة من خفر السواحل في البحر المتوسط لمحاربة الهجرة غير الشرعية وسارعت مدريد مؤخرا الي تحصين السياج الحدودي الحالي مع المغرب من خلال رفعه من ثلاثة الي ستة امتار كما تنوي اقامة سياج آخر في جيب مليلة في محاولة لمنع تدفق المهاجرين وبدوره قدم وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي مشروع قانون يشجع علي الهجرة المنتقاة مؤكدا ان زمن الهجرة العشوائية قد ولي ويصعب المشروع الذي تم اقراره بالفعل شروط الحصول علي الجنسية الفرنسية ويفرض علي الرشعبي التوقيع علي وثيقة يقرون فيها بالتزامهم بمبادئ الجمهورية الفرنسية وكان ساركوزي قد تعهد بتشديد قوانين الهجرة بعد اعمال الشغب نفذها شباب في ضواحي باريس بينهم كثيرون من ابناء المهاجرين واحرقوا خلالها الاف السيارات في نوفمبر الماضي واثار القانون الذي سيصعب علي المهاجرين الذين يعيشون في فرنسا بالفعل جلب عائلاتهم الي البلاد وسيجبر الوافدين الجدد علي تلقي دروس في اللغة الفرنسية وعلم التربية المدنية احتجاجات في فرنسا وبعض مستعمراتها السابقة في غرب افريقيا اما هولندا التي كان البعض يعتبرها البلد الاكثر تسامحا في اوروبا فقد تحولت الي البلد الاكثر تزمتا تجاه المسلمين حسبما تقول ستيفان كوفاكس مراسلة جريدة لو فيجارو الفرنسية في تقرير لها في هذا البلد الذي يسمح بالزواج المثلي وبمساعدة الحالات المرضية الميئوس منها علي الانتحار كما يسمح بتعاطي الحشيش فان الاجراءات الجديدة التي اعتمدتها ريتا الحديدية اي وزيرة الهجرة ريتا فيردونك ستجعل من هولندا البلد الاكثر صرامة ازاء المهاجرين وخصوصا المسلمين منهم وقد عمدت الوزيرة منذ توليها منصبها الي ترحيل 26000 لاجيء الي بلادهم اي الي ايران والعراق وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكان بعض هؤلاء يعيشون في هولندا منذ اكثر من 10 سنوات بانتظار الانتهاء من دراسة ملفاتهم كما نجحت في خفض عدد طالبي اللجوء السياسي بنسبة النصف الي 41000 في العام 2005. وعندما التقت اماما مسلما عقب حادثة اغتيال المخرج السينمائي "ثيو فان جوغ" عام 2004 واعتذر عن مصافحتها "لاسباب دينية" الغت الوزيرة الاجتماع معه بدون تردد وقالت له: حينما نتقابل في المرة القادمة فإنني امل انك ستكون قد تعلمت اللغة الهولندية وتعتبر هولندا صاحبة اكبر نسبة من السكان المسلمين في اوروبا بعد فرنسا حيث يبلغ عددهم 6% من اجمالي عدد السكان ولما كان حوالي 90% من الاتراك والمغاربة يختارون زوجاتهم من بلدانهم الاصلية فقد اعتبر مسئولو وزارة الهجرة ان ذلك يشكل عقبة كبيرة امام الاندماج لان الزوجات القادمات حديثا لا يعرفن اللغة الهولندية ولا يعرفن شيئا عن عادات هولندا وتقاليدها وقد اظهرت دراسات مؤخرا ان المسلمين سوف يكونون نسبة الاغلبية في اربع مدن هولندية عام 2010 هي امستردام ولاهاي وروتردام واوتريخت وبعد محاولات فاشلة لفرض التحدث باللغة الهولندية في الشوارع قررت السلطات ان تكون اختبارات اللغة الهولندية والثقافة الهولندية اجبارية لكل طالبي الهجرة الي هولندا وهذه سابقة لم يتم تطبيقها حتي الان في اي بلد وستجري الامتحانات في السفارات والقنصليات الهولندية في الخارج ولن تكون مجانية اذ ستبلغ كلفة تقديم الامتحان 350 يورو "500 دولار" كما سيضطر الراغب في الهجرة الي تحمل سعر شراء الكتب والكاسيتات الضرورية لتعلم اللغة والثقافة الهولندية كما سيكون علي الراغبين في الهجرة ان يجيبوا علي الهاتف عن اسئلة تسمح بتقييم قدراتهم علي التكيف مع الحياة الهولندية كما الفت مدينة اوتريخت مخصصات البطالة التي يتقاضاها النساء اللواتي يرفضن خلع النقاب اثناء المقابلات مع ارباب العمل - يتقاضي المواطن او الاجنبي بدون تمييز راتب بطالة يتراوح بين بلد اوروبي واخر وقد يصل الي 80% من اخر راتب تقاضاه اثناء عمله وذلك لتأمين حاجاته حتي العثور علي عمل جديد - وهكذا تتنازع دول الشمال اعتبارين فمن ناحية حاجتها للايدي العاملة الرخيصة من بلدان الجنوب التي بنت علي سواعدهم تقدمها خلال النصف الاخير من القرن الماضي ومن ناحية اخري هاجس اختلال التركيبة السكانية الذي يحذر البعض من انه قد يتهدد دول الشمال بصراع حضاري بين ثقافتين اولاهما تقدمية وراقية والاخري ثقافة متخلفة ارهابية وافدة.