لغة الحوار علي وجه العموم وفي الصحافة علي وجه الخصوص انحدرت إلي مستوي متدن للغاية والحال هو الحال في جميع المجالات: الطالب مع المدرس والعامل مع رئيسه والأب مع أبنائه والأبناء فيما بينهم "فقلة الأدب" أصبحت سمة ظاهرة في المجتمع الذي كان يمتاز بالخلق الرفيع والحفاظ علي القيم والأخلاق والذي كان يضع علي كل كراسة تعليم في المدارس أن التربية والأخلاق قبل التعليم. كتبت عن تدني لغة الحوار منذ ست سنوات عندما بادر الزميل سعيد عبد الخالق ومن قبله صلاح الدين حافظ بإثارة الموضوع وأكدا علي نبذ التجريح الشخصي والحقيقة هي أنني لست مع الذين يقولون ان الانحطاط اللغوي والتجريح الشخصي جاء مع الصحافة المستقلة في الواقع ان الظاهرة موجودة ويمكن اثباتها حتي علي بعض رؤساء الصحف القومية قبل غيرها وقد أثرت وقتها واكدت علي حتمية مواجهة تدني لغة الحوار في الصحافة المصرية القومية والحزبية والمستقلة. وكما تعاني الصحافة عموما يعاني الشارع المصري من نفس الداء فعدم احترام الناس بعضهم لبعض شائع ولا صغير يحترم الكبير ولا الكبير يراعي الصغير وأصبحنا كالسمك المتوحش نأكل بعضنا بعضا.. وأعتقد ان الأزمة الحقيقية التي تعانيها الصحافة المصرية هي أزمة أخلاق وسيطرة وقضية تعليم، فإذا كان كبير المكان يستخدم ما نراه من أساليب وأقوال وجملات وحشية هذا الأسلوب للوصول الي اهدافه فالتلميذ لا يعاب عليه بالتقليد. وأنا أهيب بكل الزملاء أن يساندوا بعضهم بعضا خاصة أن هدفنا واحد ونمتلك من الشفافية والبعد عن الاغراض الشخصية ما يضع أقلامنا في حزمة الوطن وضمير الأمة لاسيما ان عورات هذه الكتابات المنحطة واضحة ولا يمكن اخفاؤها. هناك مثلا صراع خفي خالع برقع الحياء من بعض الاقلام وهذا وذاك لا يهمه سوي نصيبه أو حصته من أسياد قلمه وأقلام أمثاله وهو لا يسأل نفسه أولا تأثير ما يكتب علي القراء وما يتلقاه الناس من تدني لغة الحوار من قبل لا يجد أي حرج في استخدام هذه اللغة في التعبير عن رأيه أو في تربية أولاده أو معاملة زوجته أو التعامل مع زملائه أو رؤسائه. أقول لكل هؤلاء وللمرة الألف انني لا أعرف الدافع ولا احترم هذا الدافع سواء عند الكتاب أو لدي أصحاب الجاه والصولجان الذين يصدرون قرارات دون وعي ودون شفافية؟! يقول المثل الشعبي "ان معظم النار من مستصغر الشرر" ونحن لعهود طويلة نسمع من التطجين والردح وتدني اللغة من كبار الناس وقد كانوا ومازالوا معروفين بالاسم ولم نسمع ان نهرهم أحد أو أوقفهم. أين كنتم وزعيم الأغلبية في مجلس الشعب في الفترة السابقة يتهم أعضاء مجلس الشعب بالعين والحاجب والوصف المتدني والتخويف والترويع؟ أين كنتم؟ لم نسمع لكم حسا ولم نعرف لكم موقفا أو فكرا عبقريا في ادارة مسئولياتكم مابالكم صوتكم عال الآن؟!! عذرا أيها القارئ فكلنا اشتركنا في السكوت علي لغة الانحطاط ودفعت وحدك ثمن انحطاط الكلمة ووضاعة النفس عندما هاجمت الصحافة المبتذلة الفنانة المبدعة سعاد حسني علي سبيل المثل فلم تراع ضميرا أو دينا أو انسانية وقلنا مرارا لماذا تركت الصحافة المسمومة تنهش كالكلاب المسعورة دون رادع كاف أو موقف شجاع؟! هذا النوع من الصحفيين لم يهبط علينا من السماء وانما جاء كنتيجة طبيعية لاختفاء القيم التي تتباكي اليوم علي حال الصحافة المصرية. وقد اعتدنا منذ فترة طويلة علي قراءة هجوم بين الحين والآخر علي شخصية عامة تتناول حياتها الشخصية سواء بالتلميح أو التقريظ أو السباب او بمعلومات مضللة وهي أشد فتكا من الكذب والادعاء كل هذا تحت عباءة حرية الصحافة. ان اقل درس ارجو ان نكون قد تعلمناه من هذا الانحطاط اللغوي "وقلة الادب" الا نشترك في مثل هذا الصمت والتواطؤ المريب علي ما يجري تحت أعيننا وما يحدث لرموزنا ولا يسعني إلا أن أقول "اتقوا الله".