كلما كان حزب الله يعلن عن اختطاف جندي اسرائيلي كان تفكيري يتجه الي زمن صار قديما الي مارس من عام 1974 وكنت اقف في شرفة جناح بفندق استراند بشارع الحمراء وكان صاحب الجناح هو الصديق الكبير والغالي الكاتب العظيم محمود السعدني وعلي سور الشرفة وقف بجانبي الكاتب الكبير ليشير الي مجموعة سيدات فقيرات يتسولن من المارة قال محمود السعدني لان الجوع كافر ولان النسوة الفقيرات من الجنوب فآه من مصير هذه المنطقة حين ينبت للفقراء انياب ومخالب ولم افهم ما كان يقوله محمود السعدني وعندما شعر بعدم فهمي اضاف انت تعرف ان الجنوب شيعي وايران شيعية وسواء احس شاه ايران ام لم يحس فالتغير قادم في بلاده وسيكون علي يد رجال الدين فهم حراس التجارة والبازارات وعندما يحدث التغيير في ايران سيكون مصير لبنان مختلفا لان الجنوب الشيعي سيجد نصيرا قادما من بلاد فارس. ومحمود السعدني الذي نخطئ حين نحصر موهبته في نطاق انه كاتب ساخر فقط لانه كاتب سياسي من الطراز الرفيع هو واحد من رموز القومية العربية دفع من اجلها سنوات من عمره في سبيلها وفي عز تجلي اذاعة صوت العرب كانت تمثيليات محمود السعدني تضيء وتحرق كل من يعادي فكرة القومية العربية فقلمه وكلماته كانت احد جسور التغيير في منطقة الخليج خصوصا في امارة ابوظبي يجد قبولا وما ان تولي الشيخ زايد امور الامارة حتي ارسل لمحمود السعدني وعندما اصبحت هناك امارات متحدة كان محمود السعدني هو الصديق لمن يصون فكرة العروبة فقد عانت الامارات العربية من تعنت ايران في قضية الجزر الثلاث التي اخذها الشاه عنوة. وتمر السنوات ليسقط شاه ايران وطبعا كانت الثورة الاسلامية هي الهاجس المؤلم للولايات المتحدة وقدم صدام حسين اوراق اعتماده كوريث لشاه ايران وتمني من الولاياتالمتحدة ان تسانده كي يسود الخليج ومازالت في الذاكرة صور رامسفيلد وزير الحرب الامريكي حاليا وهو يلعب مع صدام دور تاجر السلاح. ثم تغيرت الخريطة السياسية للشرق الاوسط بعدوان صدام علي الكويت وسيادة الاغلبية الشيعية علي العراق واخيرا كان مقاتلو حزب الله الذين يأسرون حاليا قلوب العرب من الاعجاب بهم ولكن هؤلاء المقاتلين يثيرون في نفوس الحكومات العربية الف هاجس وهاجس وهم ايضا من يردون - من الظاهر - سلسلة المعايير المزدوجة التي تبيعها لنا الولاياتالمتحدة. علي كل حال كان اهمال مستوي الحد الادني للحياة اللائقة هو الفرصة السانحة لتكوين حزب الله بصعوده المثير الي رتبة المقاتل الذي يذيق اسرائيل الويل في عمق لم تصل اليه اي يد عربية منذ تأسيس دولة اسرائيل. لقد كانت نبوءة محمود السعدني حقيقية فحين تنبت للفقر انياب يصبح شرسا ولكن انياب حزب الله حتي هذه اللحظة هي انياب شرسة علي الخصم الحضاري للعروبة وهو اسرائيل ولا احد يعلم من هو الخصم القادم لهذا الحزب؟ منير عامر