.. لأول مرة في تاريخ الحكومات المصرية المتعاقبة.. تكتشف حكومة الدكتور نظيف أن المواطن المصري يفتقد الحنان وتصدر فرمانا لموظفيها بأن يرسموا الابتسام علي وجوههم عند تعاملهم مع المواطن!! فقد أعدت وزارة التنمية الإدارية بالاشتراك مع الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة مشروعا جديدا يعد الأول من نوعه لتدريب العاملين المدنيين بالدولة علي الابتسام في وجه المتعاملين مع الأجهزة الحكومية.. والمشروع يشمل 24 ألف موظف ويتكلف 480 ألف جنيه.. وذلك للتخلص من العبوس في وجه المواطنين.. ولقد بدأ بالفعل في مايو الماضي. وطالب رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة الموظفين بأن يتحلوا بالصبر والهدوء والابتسام وعدم الانفعال عند تعاملهم مع المواطنين. فهل يمكن أن نحل مشكلات المواطن المصري مع الحكومة بالابتسامة وحدها بالطبع لا فهناك فجوة قائمة بين الحكومة والشعب منذ تاريخ طويل.. وخبرة الإنسان المصري بالحكومة أو بما يسمي طبقة الافندية موغلة في القدم حيث لا يري المواطن في الأفندية سوي المحضر الذي يحجز علي بيته.. أو القاضي الذي يحكم في قضيته أو الضابط الذي يودعه السجن أو الملتزم (مأمور الضرائب حاليا) الذي يفرض الاتاوة.. أي أن الفجوة قائمة وليست نتاج اليوم، وقد تكون الحكومة الحالية ليست مسئولة عن كل هذه التراكمات ولكن عليها أن تعالج الأمر.. وليس باصدار قرار البسمة فقط وعليها أن نعالج الخلل البيروقراطي ونعالج قصور الخدمات وقصور التفكير الوظيفي والروتيني ونعالج اليأس والاحباط عند المواطن. وأعتقد أنه طالما شعرت الحكومة بأهمية وحتمية البسمة علي وجه المواطن وأصدرت قراراتها بذلك فواجبها إذن أن تدعو الاجهزة الحكومية لمراجعة قوانينها ولوائحها القديمة التي انتهي عصرها وزمانها علي سبيل المثال لاتزال استمارات بدل السفر تضم خانة (أجور الركايب) الركايب تعني الخيل والحمير.. وهناك أيضا مادة في القانون تفرض علي الصراف الذي بحوزته خمسين جنيها أن يركب تاكسيا.. ولايزال بدل رئاسة القسم في الجامعة عشرة جنيهات. هذه عينة من أمثلة كثيرة. ومادامت الحكومة تأخذ حقها كاملا من المواطن المفروض أن تعطي المواطن حقه غير منقوص بأن يجد الخدمة ميسرة ويجد من يصدقه القول. نحن في حاجة إلي تدعيم الثقة بين الشعب والحكومة والثقة تدعم بقرارات وأفعال المواطن المصري يحتاج إلي تنقية القوانين والتشريعات بما يتلاءم مع ظروف العصر والحياة التي يعيشها. المواطن يحتاج إلي ديموقراطية حقيقية لكي يمارس دوره السياسي دون ضغط أو حذف.. يحتاج إلي انتخابات حرة نزيهة تخلو من التزوير والبلطجة ويحتاج إلي تنقية القوانين والتشريعات بما يتلائم مع ظروف البعض. المواطن يحتاج إلي علاج صحي في مستشفيات الدولية ومكان لأولاده للتعليم في مدارس الحكومة.. ووظيفة لهم تبعدهم عن شر البطالة وتداعياتها.. ويحتاج إلي حياة كريمة آمنة. وفي الجانب الآخر.. هذا الموظف المطحون الذي تم تدريبه علي الابتسام.. من يبتسم له وهو يئن تحت وطأة المشكلات والاحباط تكبله الديون ويتبخر راتبه في الاسبوع الأول من الشهر. لقد اختزلت الحكومة مشكلة المواطن في الابتسامة وليت ذلك كان صحيحا إذن لهان الأمر وكانت بسمة صغيرة كفيلة بالقضاء علي كل متاعب المواطن.. خاصة وأن الشعب المصري يحب الضحك وينسي الاساءة ويضحك علي مشاكله بالنكت. الموظف يعاني من ضغط الحياة ولعلنا نتذكر تلك الأم المسكينة التي ذهبت إلي مجمع التحرير تستجدي ضمانا اجتماعيا أو إعانة ولطفلها بعد أن تنكرت لها الحياة وسدت في وجهها سبل العيش.. قالت لها الموظفة ماذا نفعل لك ارم ابنك في الشارع.. فقامت المواطنة المغلوب علي أمرها بالقاء ابنها من الطابق الرابع هذا هو الموظف الذي يجب أن يبتسم في وجه المواطن كفانا سخرية واستهزاء اذهب إلي الشهر العقاري وستري بأعينك كيف تتم بهدلة و(مرمطة) المواطن.. وأكثر ما يثير الضحك أن مكاتب الشهر العقاري مكتوب علي لافتاتها أنها نموذجية وهي أبعد ما تكون عن النموذجية. اذهب أيضا إلي مكاتب استخراج رخصة أو مكاتب التأمينات والمعاشات والتأمين الصحي وعيادات الاستقبال والمستشفيات الحكومية ستري كيف تهان كرامة واَدمية المواطن. إنها بادرة طيبة ولا شك في أن الحكومة بمشروعها الذي يستهدف قضاء مصالح المواطن وسرعة أدائها بعيدا عن الروتين ولكن يجب أن تترجم إلي سلوك وفعل وأن يشعر المواطن باَدميته وألا تسلك الحكومة كما تفعل بعض الشركات التي تبيع الوهم للمواطنين وهم يبتسمون لتنصب عليهم.. يجب أن تسود الشفافية والمصداقية في القول والفعل وأن تركز علي الجوهر وأن تنقي القوانين والتشريعات والإجراءات التي لم يعد هناك مبرر لوجودها. وقد تكون كلمات الفنان عادل امام في فيلم الارهاب والكباب هي أبسط حقوق المواطنة وهو يطالب بحياة بسيطة تشعره بأنه (بني آدم) وأن يجد علاجا عندما يمرض ومكانا لأولاده بالمدارس والمواصلات وسكنا مناسبا.. هذه هي مطالب الانسان المصري البسيط. والإسلام يدعو إلي الرفق والرحمة حيث يقول الله عز وجل للرسول الكريم (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) ويقول الحديث الشريف (وتبسمك في وجه أخيك صدقة).