صحيح أن الفساد ظاهرة عالمية تعاني منها معظم دول العالم.. صحيح أيضا أن الدول الأكثر قمعا هي الدول التي يستشري فيها الفساد ويؤدي بها إلي أزمات اقتصادية وانحلال اجتماعي وتخلف فكري، كذلك فإن غياب القيم والأهداف وحتي الأحلام القومية والشخصية في ظل هذا القمع يؤدي إلي اختزال المسألة كلها في الحصول علي الثروة والسلطة ويصبح كسب المال - بصرف النظر عن أي قيمة أخري - هو النموذج الذي يجده الشباب والشابات أمامهم في مقتبل العمر والمنهج هو الشطارة تحت مترادفات أخري منها أن فلانا يمسك التراب بيده فيصير ذهبا، يعني "حلنجي" يعرف "من أين يجيب القرش" حتي لو كان الثمن 1000 شهيد في قاع البحر. والفرق بين الدول الحرة والدول القمعية هو أن الأولي لديها آليات مكافحة الفساد بينما لا تملك الثانية إلا أدوات تثبيته. وكيف لنا أن نتكلم عن الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان وعالمنا يشهد انتهاكات لكل هذا يوميا جنبا إلي جنب كل دعاوي الاصلاح التي لا يمكن أن تتحقق وسط هذا الطغيان السافر والفساد والذي لا يمكن القضاء عليه سوي بإنهاء المحسوبية والتمييز وإطلاق الحريات. ونحن نحتاج لبلوغ الديمقراطية إلي اعلام مختلف صحيح أن هناك الكثير من التغيير الذي حدث في السنتين الماضيتين ولكنها لا تزال تتخبط بين الحرية وعدم الحرية وبين الاعلام التعبدي والإعلام التنموي الذي يتواكب مع أهداف المرحلة الحالية والمقبلة، إن التطور الاعلامي ضرورة وبغيره يمكن لأي كيان اعلامي صغير شرعيا كان أو غير شرعي أن يحقق أهدافه الاعلامية أكثر بكثير مما تحققه أجهزة الاعلام الرسمية حتي لو كانت هذه الأهداف تستند إلي معلومات غير دقيقة.. وغير موثقة. إن مشكلات مصر الواقعية تحتاج إلي فهم ووعي عميق ومستمر ويحتاج إلي شفافية كاملة.. وإلا أصبح الاعلام بلا معني ولا هدف والثابت انه لا يمكن لمصر التحرك بندية علي طريق الاصلاح ما لم نقم بحل الصراع القائم بين الاصلاحيين وغيرهم. أن مجرد استقاء معلومة من جهاز إعلامي آخر غير أجهزة الاعلام المصرية عنوان كبير للفشل الاعلامي، فهناك قضايا كثيرة لا تلقي أي اهتمام من القائمين علي الاعلام في مصر المقروء منه والمسموع مثل قضايا (أزمة القضاة - وأزمة المهندسين - وأزمة الصحفيين - واثبات النسب - وهروب قاتل الألف مصري.. وغيرها من القضايا التي تهم الناس بشكل مباشر" كحماية المستهلك والبيئة في الأحياء الشعبية الفقيرة ونوعية الخدمات الصحية والاجتماعية وغلاء الأسعار. ولا يمكن لنا تجاوز أصغر هذه الأزمات إلا بالقضاء علي الفساد ويبقي التطرف. ان علي الاعلام ان يتوجه إلي دوره الحقيقي في تعميق الثقافة وتغطية القضايا المهملة وابراز وجه مصر الحضاري وان تصبح بوق دعاية فقط للفقراء والبسطاء أكثر المتأثرين بأجهزة الاعلام وأن تراعي الصدق فلا اصلاح بدون صدق.