تعيش الأسواق المالية وأسواق صرف العملات الأجنبية بتركيا حاليا منعطفا بالغ الأهمية وتقلبات خطيرة للغاية وصفها المحللون الاقتصاديون وخبراء المال بأنها عاصفة لا أحد يمكنه التكهن بمداها ونتائجها، ويأتي هذا فيما أكد مسئولو البورصة التركية أن المستثمرين الأجانب الذين بدأوا سحب أموالهم من الأسواق التركية قاموا فقط بسحب ثلاثة مليارات دولار ما أدي لارتفاع غير مسبوق منذ أكثر من عامين في سعر العملات الصعبة مقابل الليرة التركية . وارتفع سعر الدولار الأمريكي مقابل الليرة التركية بنحو اثني عشر في المائة فيما ارتفع سعر اليورو مقابل الليرة بأكثر من عشرين في المائة خلال أقل من يومين . وبلغ سعر الدولار للمرة الأولي منذ شهر أكتوبر عام ألفين وأربعة 52ر1 ليرة فيما بلغ سعر اليورو 94ر1 ليرة .وانخفضت قيمة الليرة التركية علي مدي الأيام الستة الماضية بنسبة ستة عشر في المائة مقابل أسعار العملات الصعبة بشكل عام . وقد أثرت هذه التطورات المتعلقة بأسعار العملات الصعبة في تركيا بشكل كبير علي مؤشر بورصة اسطنبول التي أنهت تعاملاتها يوم أمس بانخفاض في مؤشرها بلغت نسبته أربعة في المائة ليصل الي 40268 نقطة بانخفاض ألف وسبعمائة نقطة . كما تم لليوم الرابع علي التوالي رفع نسبة الفوائد علي الليرة التركية مجددا لتصل الي 44ر15 في المائة بعدما كانت الشهر الماضي 8ر13 في المائة . وقالت وكالة انباء الشرق الاوسط إن هذه التقلبات المتسارعة في الأسواق المالية التركية دفعت بالبنك المركزي للتدخل والتوقف عن سياسته القائمة علي الدخول في مناقصات يومية لشراء العملات الصعبة التي اتبعها علي مدي أكثر من سبعة عشر شهرا لزيادة احتياطيه من العملات الصعبة في ظل حالة الانخفاض في أسعارها مقابل الليرة قبل حدوث التطورات الأخيرة منذ أسبوع . وأصدر البنك المركزي التركي قرارا بالتوقف فورا عن شراء العملات الصعبة من خلال هذه المناقصات اعتبارا من اليوم وحتي اشعار آخر بهدف وضع حد للارتفاع الكبير والمفاجيء في أسعار العملات الصعبة . وكان البنك المركزي التركي يشتري يوميا في اطار سياسته المتبعة علي مدي السبعة عشر شهرا الماضية نحو ستين مليون دولار يوميا قام في اطارها بشراء أحد عشر مليار دولار منذ بداية العام الجاري وشراء 1ر31 مليار دولار منذ شهر ديسمبر 2004 لمنع زيادة قيمة الليرة التركية مقابل العملات الصعبة والتي تضر بالدرجة الأولي المصدرين الأتراك والسياحة . ويتوقع خبراء المال والاقتصاد في تركيا أن يستمر الارتفاع تدريجيا في أسعار العملات الصعبة لفترة قصيرة يحدث بعدها هبوط نسبي في أسعارها مقابل الليرة ليبقي سعر الدولار مقابل الليرة التركية يقدر بما بين 45ر1 الي 5ر1 ليرة . وفي محاولة لوقف الذعر السائد في الأسواق المالية والمتعاملين في البورصة انبري المسئولون الأتراك منذ اختتام اجتماع طاريء لمجلس الوزراء مساء أمس في الادلاء بتصريحات تستهدف تهدئة مخاوف المستثمرين وأشار وزير الشئون الاقتصادية علي بابا جان في محاولة لتهدئة قلق المستثمرين الأجانب الي أنه لا يوجد داع للتدخل في الأسواق المالية وان التطورات التي تشهدها تركيا حاليا ليست خاصة بتركيا وانما هي تقلبات بكافة الأسواق العالمية وبالتالي لا يوجد داع للقلق بتركيا . وأضاف أن ما يجري هو حركة طبيعية ترتبط بسياسة تعويم الليرة التركية مشيرا الي أن زيادة أسعار العملات الصعبة أمر طبيعي قبل الانخفاض مشيرا الي ان حركة الأسواق المالية سوف تستقر بعد فترة قصيرة .ومن جانبه أشار وزير المالية كمال أوناكيتان الي أن الحكومة مستمرة في سياسة الانضباط المالي وعدم التنازل عن البرنامج الاقتصادي المرسوم مؤكدا أنه لا يوجد وضع غير طبيعي قد يدفع بالحكومة لأن تتدخل في الأسواق وسوف تستقر الأمور خلال فترة قصيرة . ومن جانبه أكد رئيس اتحاد الغرف التجارية والبورصات رفعت هيشار أوغلو أن الأسواق المالية التركية تسلمت اشارات من الأسواق الخارجية وتأثرت من قرار البنك المركزي الأمريكي لزيادة نسب الفوائد وهي حركة وصفها بالطبيعية في سياسة تعويم الليرة التركية . من جانبه أكد محافظ البنك المركزي التركي دورموش يلماظ أن البنك يتابع عن كثب كافة التحركات الجارية بالأسواق الداخلية مشيرا الي أنه في حالة ظهور تطورات اقتصادية مختلفة غير اعتيادية فآنذاك سيتدخل البنك بالأسواق ولكن في الفترة الحالية لا يوجد داع للقلق . وقال ان البنك سيستمر في اتباع سياسته الاقتصادية المرسومة بدون تقديم أي تنازلات مشيرا الي أن هذه الحركة والتقلبات لن تستمر لفترة طويلة وسيعود لاستقرار للأسواق خلال فترة قصيرة بما يعني أن البنك المركزي لن يتدخل مرة أخري ويبيع جزءا من رصيده من العملات الصعبة للسيطرة علي أسعار الصرف وتقليص أسعار العملات الصعبة . ويأتي هذا فيما أرجع خبراء المال الأتراك السبب وراء زيادة قلق الأسواق المالية الداخلية والمستثمرين الأجانب بتركيا يوما بعد يوم الي عوامل سلبية عديدة داخلية وخارجية من بينها زيادة معدل التضخم بتركيا الشهر الحالي وتوقعات عن عدم التوصل لتحقيق الهدف المرسوم من جانب الحكومة التركية لمكافحة التضخم حتي نهاية العام الجاري وزيادة النقاشات حول اجراء انتخابات رئاسية مبكرة ورفض رئيس الجمهورية نجدت سيزار قانون التأمين الاجتماعي والذي أثر سلبيا علي موقف صندوق النقد الدولي من تركيا والذي كان يعتبر تمرير هذا القانون شرطا أساسيا لمنح تركيا القروض التي تم الاتفاق عليها . وأكد خبراء المال في تركيا أن الأسباب الأخري لهذا الارتفاع الكبير في أسعار العملات الصعبة مقابل الليرة تشمل كذلك زيادة العجز المالي في تركيا بشكل كبير واسراع البنوك الأجنبية لسد عجزها من العملات الصعبة ومطالبة البنوك الأجنبية بتقليص حجم الاستثمارات الأجنبية في تركيا نظرا لوجود اشارات خطر في الآداء الاقتصادي التركي . وفي الوقت نفسه فقد ساعدت عوامل خارجية في تعزيز التوجه لتقليص سعر الليرة بشكل كبير مقابل العملات الصعبة من بينها زيادة التوتر بين الولاياتالمتحدة وايران جارة تركيا وشريكها الأساسي في مجال الطاقة ورفع البنك المركزي الأمريكي سعر الفائدة علي الدولار ومنح بعض الدول النامية المستثمرين الأجانب نسبة فوائد أكبر من تلك التي تقدمها تركيا بما أسهم في جذب رأس المال الأجنبي من تركيا لهذه الدول . وبالرغم من ذلك فان بعض المحللين يشيرون الي أن المتغيرين الأساسيين الذين حدثا قبيل حدوث موجة التقلبات الحادة وسحب المستثمرين الأجانب مبالغ كبيرة من السوق التكي والارتفاع الكبير في أسعار العملات الصعبة مقابل الليرة يتعلقان بالفعل برفع البنك المركزي الأمريكي سعر الفائدة علي الدولار من جانب والأزمة التي نشبت بين تركيا وفرنسا جراء طرح مشروع قانون خاص بابادة الأرمن علي يد الأتراك والتي هددت خلالها دوائر تركية رسمية بعقوبات ضد فرنسا ووضعها علي القائمة الحمراء واستبعاد شركاتها من الدخول في مناقصات بتركيا . والمعروف أن فرنسا هي أكبر دولة أوروبية وأجنبية تملك استثمارات في تركيا بما يثير تساؤلات مشروعة لم يجب عنها أي مسئول تركي حتي الآن بشأن حجم الاستثمارات الفرنسية التي تم سحبها من الأسواق التركية مذن بدء موجة التلقبات الأخيرة .