من الأقوي: جهاز تنظيم الاتصالات أم شركتا المحمول؟ هل يمارس الجهاز بالفعل دوره الرقابي علي السوق؟ سؤالان ساخنان طرحتهما بقوة محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في حكم أصدرته بالغاء الرسوم علي فواتير المحمول التي نص القانون علي تحصيلها بواقع 6 جنيهات سنويا كضريبة مبيعات.. وقامت شركتا المحمول بتحصيلها شهريا!! الأخطر من الحكم ما جاء في الحيثيات التي أكدت أن ذلك يمثل اعتداء صارخا علي حقوق الأفراد من متلقي الخدمة ودعت الدولة إلي ممارسة دورها الرقابي من خلال جهاز تنظيم الاتصالات. وتحاول "الاسبوعي" في هذه السطور الاجابة علي السؤالين اللذين فجرهما حكم القضاء الاداري من خلال شهود عيان من الخبراء يرصدون عمل الجهاز منذ إنشائه وهل دوره الرقابي مرفوع مؤقتا من الخدمة ولماذا؟ القضية الاساسية كما يراها عمرو عبدالعظيم عضو جمعية حقوق مستخدمي الاتصالات التابعة للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أن الدور المنوط بالجهاز لابد أن يتمحور في تنظيم العلاقة ما بين سياسة الدولة وحماية كل ما يتعلق بحقوق المستهلكين من سلامة وضمان تقديم خدمة جيدة وبأسعار مناسبة ويشير عبدالعظيم إلي أن نقطة الضعف الأساسية في الجهاز أنه معين من وزير الاتصالات في حين أنه من الضروري أن يكون الجهاز مستقلا ومحايدا: يعمل به شخصيات ذات خبرة سابقة في مجال الاتصالات وتستطيع مراقبة شركتي المحمول أو الشركة الثالثة المزمع انشاؤها. ويوجه نقدا ذاتيا إلي الجمعية نفسها ويؤكد أنها ليست بالفاعلية المطلوبة ويري أن الخطأ يكمن في أن تشكيلها يتم من خلال تعيين اعضائها من الشخصيات العامة سواء صحفيين ورجال سياسة كما لا يتم ادراج اجتماع ثابت أو دوري لأعضاء الجمعية. كما يعيب عبدالعظيم علي الجهاز تراجعه عن قرار إنشاء شركة المحمول الثالثة في وقت سابق والذي كان من شأنه أن يؤدي لرفع كفاءة الشركة المصرية للاتصالات ورفع قيمتها السوقية واجتذاب ال10 ملايين مستهلك الذين دخلوا في شركتي المحمول في الوقت الحالي كان يكفل استفادة الدولة من أرباح بمليارات الجنيهات تم تحويلها للخارج لصالح الشركاء الأجانب وكان يمكن أن تستفيد الدولة من هذه الأرباح في إقامة بنية أساسية جديدة تفيد خدمة الاتصالات بالاضافة إلي صناعة كوادر بشرية ذات خبرة في هذا المجال بدلا من التراجع الذي لحق بنا مما أدي في النهاية لدخول المستثمرين العرب للقيام بهذه المهمة. ويعود عبدالعظيم ليؤكد أن جهاز تنظيم الاتصالات لا يقوم في الوقت الحالي بأي دور رقابي في مواجهة عمليات حرق الأسعار العمدية من شركتي المحمول لاجهاض تجربة الشركة الثالثة وحتي يستمر في الاحتفاظ بحالة الاحتكار والسيطرة علي سوق المحمول في مصر. الثمن البخس وينتهي محمد أبو كريش سكرتير الجمعية العلمية لمهندسي الاتصالات إلي أن سوق المحمول في مصر يتسم بنوع من الممارسات الاحتكارية من جانب شركتي المحمول ويعود بنا إلي عام ونصف العام ومع بدء مظاهر هذه الممارسات عندما رفعت أسعار الخدمة ويوضح أنها تجري محاولات مستمرة لاغراق السوق بهدف "حرق" الشركة الثالثة وقطع الطريق عليها حتي قبل أن تبدأ عملها. ويري أبوكريش أن ملامح هذه الممارسات ظهرت بوضوح عندما تم اجبار الشركة المصرية للاتصالات علي التنازل عن الرخصة الثالثة للمحمول مقابل 2 مليار جنيه دفعتها الشركتان للجهاز القومي للاتصالات. ويشير إلي أن من أهم مظاهر سيطرة الشركتين علي السوق وعدم وجود الرقابة الفعالة والملزمة ظاهرة تكرار الأرقام الخاطئة والاختناقات في بعض المواقع والمشكلات الفنية الكثيرة التي أصبحت من سمة عمل الشركتين وجاء ذلك نتيجة اهتمام كل منهما بالنشاط التسويقي لزيادة وجذب العملاء علي حساب عمليات الخدمة الفنية وتطوير الأداء. ويؤكد أن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات طوال فترة إنشائه لم يتخذ موقفا تجاه مشكلات الخدمة أو يصدر قرارا ملزما لهذه الشركات وذلك باستثناء قرار وحيد قضي بتراجعهما عن الزيادة في أسعار المكالمات نتيجة ضغط منظمات المجتمع المدني المتمثلة في جمعيات حقوق المستهلك ولم يأت ذلك من الجهاز كمبادرة منه للتصدي لقرار الشركتين برفع الاسعار. ويتساءل: كيف يكون الجهاز المنوط به تنظيم الخدمة والرقابة عليها جهاز رقابي ويخضع في نفس الوقت للسلطة التنفيذية؟! معيار القوة سألت "الاسبوعي" مصطفي الجبلي رئيس شعبة الاتصالات بغرفة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات: من الأقوي شركات المحمول أم الجهاز، وبادرنا الاجابة وقال انه من الصعب الاجابة علي ذلك، ويشيرهنا إلي انه فيما يتعلق بدور الجهاز بتنظيم الحركة والخدمة للاتصالات داخل مصر واعطاء رخص الشركات فهو الاقوي أما اذا نظرنا إلي ما يحدث حاليا من مستوي خدمة سيئة تقدمها شركتا المحمول فالاجابة هي نعم لأن الشركتين تضربان عرض الحائط بالجهاز ولا تهتمان بتحسين هذه الخدمة ويزداد اهتمامهما باجتذاب شرائح أخري من المشتركين دون ان يتخذ الجهاز موقفاً واضحا منهما وبالتالي فإن ذلك دليل علي عدم قوته في مواجهة شركتي المحمول. ويشدد الجبلي علي ضرورة ان يكون معيار تقييم الخدمة المقدمة أحد أهم اسباب انشاء هذا الجهاز ويري ان عدم قيام الجهاز بذلك الدور يرجع بالدرجة الأولي إلي غياب العمالة الكافية والمدربة للقيام باختبارات كفاءة التشغيل لشركتي المحمول. كما يشير إلي ما يحدث الآن من حرق أسعار للخدمات المقدمة ويطالب بوقفه فورا باعتبار ان هدفه الوحيد، هو وضع العراقيل أمام الشبكة الثالثة الجديدة التي تتطلب تواجدها اقامة بنية أساسية وتكنولوجيا جديدة تتكلف المليارات، وبالتالي لا تستطيع المنافسة أمام الأسعار الحالية في مهرجانات المحمول. ويؤكد الجبلي أهمية ان يكون الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات هيئة مستقلة ذات سيادة وغير مرتبطة بأي جهة حكومية، كما هو موجود في البلدان الاخري وأن يكون من ضمن اختصاصاته تقنين تعريفة تقديم الخدمة صعوداً وهبوطاً ويكون ذلك مشروطاً بالأسس الفنية لتقديم الخدمة مع التأكد من توافر جميع وسائل تقديم الخدمة الجيدة.