لأسف لم يلتفت احد لتصريح مهم أولي به المستشار عدلي حسين محافظ القليوبية التي تعد اكثر المحافظات المصرية اصابة بمرض انفلونزا الطيور سواء بين الدواجن او بين البشر قال المحافظ في تصريحه اننا لانعرف علي وجه التحديد والدقة كيف تسرب لنا هذا الفيروس اللعين. وشكك المحافظ بشكل غير مباشر في الرواية الشائعة والسائدة التي تؤكد ان مرض انفلونزا الطيور حملته الينا الطيور المهاجرة لان وزارة البيئة لم تعلن عن حالة واحدة مصابة لطائر مهاجر واحد. وهذا الكلام لا يحتمل سوي احتمالين لا ثالث لهما. الاحتمال الاول هو عدم تمكن وزارة البيئة من خلال اجهزة الرصد الموجودة لديها من رصد اصابة الطيور المهاجرة فوق مناطقنا الحدودية بهذا المرض ولذلك فوجئنا بغزو الفيروس اللعين لنا في القاهرة وعدد من المحافظات الاخري غير المدوية، وانتشاره سريعا بشكل وبائي الحق بنا خسائر فادحة. اما الاحتمال الثاني فهو ان المرض اللعين اصابنا بطريق اخر غير الطيور المهاجرة وهذا ماألمحت اليه بعض الاجتهادات التي ارجعت اصابتنا بمرض انفلونزا الطيور من خلال شحنات استوردناها من امهات الدجاج تحمل هذا الفيروس.. اي ان المرض اصابنا بفعل فاعل. وعموما كلا الاحتمالين احلاهما مر.. لان الاحتمال الاول يحمل في طياته تقصيرا او اهمالا في اداء واجب الرصد والترقب لمرض كنا نعرف خطورته علينا وعلي واحدة من اهم الصناعات الناجحة في بلادنا وهي صناعة الدواجن.. اما الاحتمال الثاني فهو يتضمن بالاضافة الي الاهمال في منع دخول دواجن مصابة عبر المنافذ الطبيعية، فسادا بينا، تغاضي من ارتكبوه عن خطر هذا المرض اللعين مقابل الحصول علي ارباح صفقة موبوءة. ولذلك لابد ان نتحرك لنبحث ونتحري حتي نكتشف كما يطالب المستشار عدلي حسين كيف تسلل مرض انفلونزا الطيور الينا. وربما يري البعض ان البحث في امر كيف تسرب الينا المرض هو نوع من الترف الان بعد ان انتشر المرض في مناطق شتي في بلادنا وبعد ان انتقل أيضا الي البشر وألحق اول حالة وفاة بشرية في مصر وان الاولي بالاهتمام الآن هو التصدي لهذا المرض ومقاومته بفاعلية اكبر ليس فقط لحماية صناعة الدواجن من مزيد من الخسائر التي لحقت بها وانما لحماية البشر منه ايضا بعد ان انتقل المرض اليهم. وقد يبدو هذا الكلام في ظاهر وجيها ومنطقيا غير ان جهلنا كيفية تسلل فيروس انفلونزا الطيور الينا انما يؤثر بالسلب علي جهودنا في مقاومة هذا الفيروس اللعين لان السكوت علي اي اهمال او تقصير او فساد في هذا الصدد لايطمئننا الي اننا سنواجه ونقاوم هذا المرض بنفس هذا الاهمال او التقصير او الفساد. بل لعل هذا ماحدث فعلا فقد انتفضنا في اليوم الاول لاكتشافنا تسلل المرض الي بلادنا لنعلن حالة الطوارئ القصوي واتخذنا عددا من القرارات الصارمة مثل منع نقل الدواجن بين المحافظات واعدام آلاف الدواجن والتخلص من عشش الدواجن في المنازل وحظر بيع الطيور الحيونية في المحلات ولكن حماسنا للأسف لم يصمد سوي بضعة ايام قليلة لاتتجاوز الاسبوع الواحد بعد ان تراجعت حالات الاصابة بين الدواجن بالمرض وسرعان ما تراجعت ايضا حالة اليقظة التي انتابنا وعدنا الي حالة التراخي في التعامل مع هذا الفيروس وكآنه لم يدخل الي بلادنا بعد ولذلك انتقل من الدواجن الي البشر ولم نكشف ذلك الا مصادفة رغم كل الاستعدادات الكبيرة والهائلة التي اعلنا عن اتخاذها لحماية البشر منه بل لقد بررنا قراراتنا القاسية تجاه صناعة الدواجن والعاملين بها بحرصنا علي حماية البشر من المرض لكن الاهمال والتراخي وتراجع حماس الايام الاولي بعد اكتشاف الاصابة بالمرض افرغ كل هذه القرارات من مضمونها وحولها الي مجرد حبر علي ورق لم يمنع انتقال المرض الي البشر. ثم اذا كنا لانعرف حتي الآن كيف تسلل لنا فيروس انفلونزا الطيور ألا يجعلنا ذلك مهددين بالفشل في مقاومته لان الطيور المهاجرة التي ربما تكون مصدرا له لاتتوقف عن الهجرة وهي تمر ببلادنا في رحلات هجرتها مرتين في العام.. واذا كان موعد عودتها الي اوروبا والمناطق البارده قد حل فان موعد هجرتها سجل في الخريف من جديد واخفاقنا في رصد الطيور المريضة منها بفيروس انفلونزا الطيور او حاملة الفيروس قد يتكرر اذا كنا قد اخفقنا من قبل في ذلك دون ان نكتشف هذا الامر. اما اذا كان الفيروس قد انتقل لنا بوسائل او طرق اخري غير الطيور المهاجرة فهذا يعني ان مصدر الاصابة به موجود بيننا ونحن نجهله وسيظل ينقل لنا العدوي هنا وهناك بما يزيد عدد حالات الاصابة به بين الطيور وبين البشر ايضا. ولذلك كله.. فان البحث والتحري عن مصدر او سبب تسلل فيروس انفلونزا الطيور الينا ليس ترافا او تبديدا لوقتنا او جهدنا الذي نبذله في مقاومة هذا المرض والسيطرة عليه وانقاذ بلادنا منه. لقد حملت الحكومة الفقراء واصحاب الدخول المحدودة الذين يربون الطيور والدواجن في منازلهم مسئولية الاصابة بهذا المرض اللعين وايضا مسئولية انتشاره بسرعة وذلك علي غرار ما فعلت السلطات التركية ايضا ولكن الحكومة تغافلت عن مسئوليتها هي شخصيا في انتقال هذا المرض الينا رغم انها اعلنت مرارا انها تترقب دخول المرض الينا واستعدت لذلك مبكرا وعندما حدث واصابنا المرض لم تعرف الحكومة حتي الان كيف دخل هذا المرض الينا هل من خلال الطيور المهاجرة التي لم تسجل وزارة البيئة باجهزتها اصابة واحدة لطير مهاجر لنا ام عبر شحنات مصابة بالمرض تم استيرادها من الخارج ونقلت المرض الينا. وفي هذا الامر تحديدا لايصح ولا يستقيم ان تعفي الحكومة نفسها من المسئولية وترميها علي الفقراء واصحاب الدخول المحدودة الذين قاموا بتربية الطيور في منازلهم مضطرين ولايصح ايضا ان نسمع كلاما متضاربا من المسئولين الذين تجمعهم لجنة واحدة لمكافحة هذا المرض اللعين حول الفترة التي سنظل نعاني فيها منه فهناك منهم من يحسبها بالشهور.. وهناك من يقدرها بالسنوات. ان ذلك كل يثير الشكوك في قدرة الحكومة علي مقاومة هذا المرض اللعين ويفقدها تأييد الناس لها في جهودها لحصار المرض والسيطرة عليه.. فهل تريد الحكومة ايذاء نفسها؟!