ظاهرة الفياجرا المهربة فتحت الباب أمام السؤال المنسي الخاص بظاهرة تهريب الأدوية إلي داخل السوق المصري. واذا كان الدواء ضرورة.. وأسعاره قضية أهم.. الا ان ملف تهريب الدواء يتضمن الكثير من المتغيرات والتشابكات التي تحتاج الي "وقفة" من أجل مواجهته بصورة جذرية.. وليس بصفة مؤقتة أو من خلال يقظة الجمارك.. وصرامة الاجراءات البوليسية. أكد الخبراء سواء من المسئولين أو النقابيين والشركات المنتجة ان هناك فجوة بين الانتاج والاحتياجات تصل الي مليار جنيه تفتح شهية مهربي الادوية لممارسة نشاطهم والكسب السريع، بالاضافة الي قصور قرارات الاستيراد.. وعقدة الخواجة وتفضيل المستورد وأكدوا أن تهريب الاصناف رخيصة السعر قد يكون مبررا ولكن الكارثة تكمن في تهريب الادوية المزورة المغشوشة.. أو عديمة الفائدة التي يصفها بعض الأطباء. تطرح الدكتور سامية صلاح رئيس مركز التخطيط والسياسات الدوائية بوزارة الصحة رؤيتها الشاملة لقضية تهريب الادوية وتوضح أنها قضية عالمية خاصة ما يسمي الدواء "المزور" وتلفت الي أن وزراء الصحة ناقشوها خلال اجتماعات منظمة الصحة من أجل وضع آليات للحد منها، وتوضح هنا أن هناك نوعين من التهريب، الأول: أصناف مثيلة للاصناف المحلية ولكن اسعارها أرخص في الدول المجاورة وهو صحي، أما الثاني وهو "الصيبة" علي حد تعبيرها هو المزور والعالم كله يعاني من هذا النوع وان انجلترا تعاني من حجم الدواء المغشوش وخاصة انه يمثل تجارة رابحة حيث يبحث المهربون عن الادوية التي لا تستطيع الشركات استيرادها وفي نفس الوقت لم يتم تحريك اسعارها محليا. وتروي الدكتورة سامية صلاح أنها فوجئت مؤخرا بحجم القطرات المهربة من اليونان التي تستخدم لعلاج المياه البيضاء "الفتاراكت" والتي يصر الاطباء علي كتابتها رغم ان الوزارة أجرت عليها اختبارات ووجدتها غير مفيدة، وتؤكد ان جزءا كبيرا من حل هذه المشكلة يقع علي عاتق الجمارك بالاضافة الي الاطباء الذين يصرورة علي كتابة الاصناف المهربة وايضا المرضي الذين لديهم "عقدة الخواجة". الفانتازيا أما الدكتور مصطفي إبراهيم سكرتير عام نادي الصيادلة وعضو مجلس ادارة الاتحاد العربي لمنتجي الأدوية، فيؤكد أن معظم الأدوية المهربة أما فيتامينات أو مقويات جنسية أو مسكنات مثل الاسبرين ويستخدمها بعض المرضي كنوع من الفانتازيا والجزء الآخر يرجع لاستغلال الاطباء لجهل المرضي، ويضيف بعدا آخر مشيرا أننا نستهلك سنويا بحوالي 8.1 مليار جنيه أدوية وننتج بحوالي 7.4 مليار جنيه بمعني أن هناك حاجة للاستيراد بحوالي 700 مليون جنيه سنويا وطبعا هذا الرقم يفتح شهية مافيا التهريب خاصة انها تجارة مربحة وايضا السوق في حاجة الي بعض الأصناف غير المسموح باستيرادها لان لها بديل في مصر ولكن العاملين بالخارج أو السائحين العرب تعودوا علي استخدامها. ويؤكد الدكتور مصطفي إبراهيم أن القانون 127 لسنة 55 بخصوص مزاولة مهنة الصيدلة يجرم تداول أي دواء غير مسجل وغير خاضع للرقابة أو له شهادات صلاحية ولكن فارق الاسعار يشجع هذه التجارة مشيرا الي أن دواء مثل الفياجرا في الوقت الذي سعره يصل في مصر الي 27 جنيها فالقرص في الخارج ثمنه يتراوح بين 5 و7 جنيهات.. وليس ذلك فقط.. أنما هناك أدوية في الاسواق المحلية مكتوب عليها ثمن مثل 140 ريالاً سعودياً وتباع ب 50 جنيها مصريا وهو ما يعني أنها مغشوشة. ويلفت الدكتور إبراهيم النظر الي أن هناك تهريباً عكسياً والادوية المصرية للاستفادة من فارق الاسعار في الدول المجاورة فمثلا اسبرين الاطفال 75 مللي ثمنه في مصر من جنيه الي اثنين جنيه حسب النوع بينما في الأردن تباع نفس العلبة بحوالي 20 جنيها وطالب بالسماح للشركات المصرية المحلية بأن تصنع المثيل أو تقوم الشركات الأجنبية بتخفيض اسعار الاصناف التي يتم تهريبها من الدول المجاورة. ويأتي علي رأس قائمة الادوية التي يتم تهريبها "البنادول" و"الفيكس اندروكس" و"ريني"، والطريف انه يتم الاعلان عنها في كل الفضائيات العربية وغير متوافرة في مصر ولكن لها جمهورها، بالاضافة الي أدوية المنشطات، ويوضح د. جلال غراب خبير الادوية ان المجموعة الثالثة هي أدوية تصنعها الشركات الاجنبية في مصر ولكن بعض الاطباء يحلو لهم كتابة الاصناف المصنعة في الخارج مثل "كينورمين" الذي يعالج الضغط وهو دواء انجليزي، وتضم المجموعة الرابعة أدوية ليست متداولة في مصر وحديثة واسعارها مرتفعة ويكتبها الاطباء لبعض المرضي لضرورتها، ويوضح أن أكبر اصناف يتم تهريبها لمصر هما الفياجرا والبنادول ويبلغ حجم التهريب في الصنفين حوالي 500 مليون جنيه سنويا وخاصة انه غير مسموح بدخولهما بطرق رسمية لان لهما بدائل مصرية. عقدة الخواجة ويري الدكتور ثروت باسيلي وكيل لجنة الصحة بمجلس الشوري ورئيس شعبة الدواء باتحاد الصناعات أن السبب الرئيسي للتهريب هو الطلب الكبير علي العديد من الادوية مثل الفياجرا والوزارة لم تصرح بانتاجه والبديل المحلي مرتفع السعر ولذلك يعتبر التهريب الوسيلة الوحيدة لتوفير هذا الصنف بالكميات المطلوبة وبالسعر المناسب. أما تهريب الادوية الأخري فيدخل ضمن بندين الأول بسبب عقدة الخواجة حيث مازال بعض الأطباء والمرضي يفضلون الدواء المستورد مهما كان غالي الثمن والبند الثاني يشمل الادوية النادرة غير المسجلة ولا يتم استيرادها الا عن الطريق الرسمي واغلبها لعلاج الاورام وأمراض المناعة مشيرا الي انه لا يتم تصنيعها محليا لضعف الطلب عليها وعدم جدواها الاقتصادية مثل أدوية السرطان فالاستهلاك الكلي 2000 حقنة في السنة وهي كمية لا تشجع علي التصنيع لان تكلفة انتاجها 3 اضعاف استيرادها. ويتفق مع الرأي السابق الدكتور محمود عبد المقصود نقيب الصيادلة حيث يوضح ان بين 600 الي 800 صنف دوائي ليست مسجلة في مصر والطريق الوحيد الشرعي لاستيرادها هي الشركة المصرية للادوية طبقا لقرار وزارة الصحة ولكن نظرا لارتفاع اسعارها يتم اللجواء الي تهريب بعض الاصناف مثل ادوية الصداع والاستحلاب والحموضة لأن الشركة المصرية لا تستورد اغلبها والجزء الذي تستورده تغالي في اسعاره وهو ما يعني أن هناك قصوراً في قرار الاستيراد يجب تداركه كجزء من حل هذه القضية بالاضافة الي ان بعض الاطباء نتيجة لحضورهم العديد من المؤتمرات العالمية ومعرفتهم بهذه الاصناف يصرون علي كتابتها للمرضي رغم عد توافرها وهو ما يفتح الباب للتهريب. ويلفت الدكتور محمود عبد المقصود الي ان جزءا آخر يتم تهريبه لانه نتيجة للضغط الامريكي علي وزارة الصحة لم تسمح للشركات المصرية بانتاج بعض الاصناف المثيلة للاصناف الامريكية مثل عقار الفياجرا والبديل هو تهريب العقار المغشوش والذي يكون في كثير من الاحيان لا يحتوي علي المادة الفعالة.. بالاضافة الي تهريب بعض الادوية التي تهرب لصالح فئة معينة من المصريين الذين عاشوا فترة طويلة في دول الخليج واعتمدوا علي بعض الاصناف هناك مثل ادوية الصداع والاستحلاب والحموضة. ويضيف نقيب الصيادلة انه اذا كانت وزارة الصحة لديها النية الصادقة للحل فسوف تجد الاجراءات اللازمة للحل الجذري بعيدا عن الاجراءات البوليسية مثل التفتيش الصيدلي، والتي يصفها بأنها حلول مؤقتة.