في متابعته لتطورات أحداث غرق العبارة المصرية وغرق المئات في مياه البحر الأحمر شدد الرئيس مبارك علي ضرورة إجراء تحقيقات دقيقة تشمل جميع الظروف والملابسات التي أحاطت بالحادث.. ونقلت الصحف عن اجتماع خاص عقده الرئيس بهذا الشأن سؤال الرئيس عن توقيتات محددة تبين متي حدث غرق الباخرة؟ ومتي تم الإبلاغ عنه؟ ومتي استجابت السلطات المختصة؟ وهذه الأسئلة بالغة الأهمية لأنها تشير إلي حجم الإهمال أو التراخي وموطنه بالضبط في تتابع أحداث الكارثة المؤسفة. ولاحظت أنه منذ البيان الأول الذي صدر عن الرئاسة صباح الجمعة الماضي حملت كلمات المتحدث الرسمي سليمان عواد نبرة حادة وغاضبة تؤكد استشعار الرئاسة لأن هناك خطبا ما أكبر مما كان الناس يدركونه في ذلك الوقت. المهم هنا أن اهتمام الرئيس سيدفع الأمور في اتجاه البحث، ومتابعة الرئيس لن تترك فرصة لامتصاص قوة الدفع التي كشفت عن مدي استهتار البعض بأرواح المصريين والتعلل بضعف الإمكانيات أو نقص الاعتمادات أو رخص الأسعار أو ما إلي ذلك. وفي نفس الوقت فإن لجوء بعض المسئولين إلي اتخاذ قرارات فضفاضة يوحي باضطراب التفكير حول الموضوع فما معني إيقاف رحلات الشركة المالكة للسفينة المنكوبة حتي يجري فحصها بدقة؟ وهل ثبت أن هناك خطأ ما ارتكبته الشركة؟ ولماذا لم يعلن عنه؟ وهل يعني هذا الإجراء أن الكشف الذي جري من قبل علي سفن وعبارات الشركة كان وهميا أو غير دقيق؟ إن مثل هذه القرارات تثير المخاوف من تحويل المسألة إلي مزاد، ومادام الرئيس غاضبا، والشعب غاضبا والحكومة في مأزق فلماذا لا نذبح بعض الكباش لفداء الجميع. إن أمر الشركة يعود إلي القانون ولكن محاسبة الشركة لا يجب أن تتم بمعزل عن المسئولين الذين سهلوا لها الاتجار بأرواح المصريين والتقصير الذي حدث في متابعة السفينة وسرعة الإبلاغ وسرعة الاستجابة لتوجيه جهود الإنقاذ لا ينبغي أن تقتصر علي "عامل المزلقان" كما يحدث في السكة الحديد وينفض السادة أيديهم من الموضوع ليدفع أضعف من في الحلقة ثمن إهمال واستهتار الجميع. إن تهاون الحكومات المتعاقبة في موضوع الظروف الملائمة للعمل بوجه عام أنتج مرضا خبيثا وأوجد جيلا من الموظفين العامين والمسئولين يعتقد أن مسئوليته الكبري هي النجاة بنفسه عند المساءلة ولم يعد همّ هؤلاء هو مراعاة مصالح الناس بقدر ما هو حماية أنفسهم من المساءلة وكأن الجميع يدركون أن الخطر الداهم واقع لا محالة من سوء الأحوال وعدم الواقعية في التعامل معها، وأن كل واحد عليه أن ينجو بنفسه مادام أمكنه ذلك وليذهب الباقون بعد ذلك إلي "الجنة".