هل تصلح التبرعات والتعويضات ما أفسده الحادث المروع الذي راح ضحيته مئات المصريين في حادث غرق العبارة بمياه البحر الأحمر، وكم يبلغ ثمن ارواح المصريين التي يعبث بها بعض الباحثين عن الربح بأي ثمن؟ الحادث المروع لا يجب ان يمر بسهولة بكلمات العزاء او بالتعويض علي أهالي الضحايا لانه في الواقع يشير الي اهمال جسيم في حق الشعب الطيب الذي يثق بتجار الموت في النقل او في غيره من المجالات. منذ مدة سمعنا عن حكاية المبيدات التي تسبب السرطان، وحتي هذه اللحظة لاتزال الاقوال متضاربة بشأنها، ولايزال الكلام كثيراً عن تزايد حالات الاصابة بالسرطان بسبب تلك المبيدات غير الآمنة، وبين الحين والآخر نسمع عن شحنات طعام فاسدة أو ادوية فاسدة، او كوارث تحدث مثل انهيار عمارات لمخالفة اشتراطات بناء او حوادث في المزلقانات بين القطارات والسيارات بسبب عدم الانضباط.. ونزيف الاسلفت الذي يقضي علي الآلاف من ارواح الابرياء. هل تذكرون كوبري السيدة عائشة وعدد الحوادث التي قفزت فيها سيارات من فوق الكوبري، هل تذكرون حادثة قطار الصعيد الذي راح ضحيته المئات.. كل هذه الحوادث هي في النهاية ناتجة عن فساد يؤدي الي الاهمال، وناتجة عن تراخ في الاهتمام بمسئولية حياة الناس ولا يدل الا علي مدي رخص حياة المصريين وعدم وجود محاسبة جادة حول هذه الحوادث، ولو لم يكن اتجاه التحقيقات في كل مرة ينتهي بتحميل البعض المسئولية المباشرة ويغسل الجميع ايديهم من الدم الذي سال، لو كانت التحقيقات تشمل المسئولية العامة وغير المباشرة لكان الحال افضل، ولكن هكذا تنتهي الامور دائما ثم ننسي ما حدث ويبتلع الناس احزانهم ويفوضون امرهم الي الله. ليس هكذا يمكن ان تستمر الامور وليس من قدر المصريين ان يدفعوا ارواحهم ثمنا "لفهلوة" بعض الباحثين عن الربح السريع وتغطية الجرائم بعد ذلك بالذرائع والاسباب الواهية.. ولم اصدق عيني وانا اقرأ تصريحا لاحد المسئولين في الشركة المالكة للعبارة المتهالكة التي غرقت بالمئات وهو يقول ان استخدام العبارات القديمة نتيجة رغبة المصريين في دفع ثمن رخيص.. اي انه يقدم خدمة الموت لمن لا يستطيع دفع ثمن تذكرة في عبارة تتوافر فيها اشتراطات السلامة. وهذا بالضبط ما يحدث مع المرضي الذين يعالجون مجانا فتصرف لهم ادوية رخيصة قليلة الفعالية او تقلل شركات الدواء من المادة الفعالة نتيجة لان المناقصات تفرض عليها سعرا رخيصا فيقبلون العطاءات ويتلاعبون بالدواء، وهكذا الامر في مختلف التوريدات.. المسألة باتت في حاجة الي وقفة حازمة ضد الاتجاه الذي يستهين بحياة المصريين، نحن بحاجة حقا الي السيطرة علي حجم "الفهلوة" في حياتنا لانها باتت تهدد مستقبل الوطن كله.