لا أظن ان احدا امتلك صولجان اكتشاف الوان البحر المتوسط مثل فاروق حسني كأن البلاد التي نشأ فيها والمدن التي زارها قد كشفت له أعماق هذا البحر الذي أطلت الفلسفة من شمسه وقاعه . والفلسفة يا سادتي هي مفتاح حين نملك القدرة علي أن يكون في عيوننا ، انما نمتلك به مقعدا في قاعات الدهشة لنسترد طفولتنا وتطول بها قامتنا لنعرف اين نحن . دخلت معرض فاروق حسني في مساء الثلاثاء الماضي لأقضي ساعات وانا ارقب رحلة عام كامل من الإبداع ،ففاروق حسني لا يتنازل أبدا عن التواجد في قاعة الرسم الخاصة به ، وتحيطه - في الاغلب - الموسيقي الكلاسيكية من كل اتجاه كأن الموسيقي هي الغذاء الذي يواصل به الفنان رحلة اكتشاف المستقبل فيري علي جدران روحه ما نراه نحن من بعد ذلك وقد صار لوحات من ابداعه . فوجئت بان الواقف امام دفتر الزيارات هو المعماري العظيم جمال بكري ،قلت له : ما هذا التنويع علي اللون الازرق ،والايقاع من اللون الابيض ؟ قال لي جمال بكري اذا كان التجريد هو الاختزال ، فقد جرد فاروق حسني الاختزال نفسه . رأيت بعيوني جدران روح هذا الفنان ، فالمصور في داخله يرسم ما يراه علي جدران روحه ، والروح هي المعبد الذي يهبنا طاقة الحركة كل يوم . لا اعرف كيف اجترأ هذا المصور علي لون البنفسج ، ليجعله أكثر شفافية مما هو عليه غالبا ، وأقول " اجترأ علي اللون لأن لون البنفسج لا يفتح آفاق فرح في الغالب ، ولكن فاروق حسني جعله فرحا بما يملك من خبرة ، خبرة لا تقتل الدهشة بل تتجاوب معها في آن واحد . تقودني اللوحات إلي غمامات باريس وهي مغسولة في صفاء حي المكس السكندري ، وتتحدث لي روما باللون البرتقالي الذي تملكه بعض من ازهارها لأجدها قد اينعت علي الميناء الشرقي . تتجمع مدن البحر المتوسط في لوحاته ، لتصير موسيقي ذات خلود هامس ، علي الرغم من أن الرسم بمادة الأكليرك لا يترك للرسام إلا فرصة واحدة ليضع ما تمليه عليه جدران الروح من رؤية . أخي الفنان : شكرا علي تلك الإطلالة الموسيقية من شرفة فلسفة الخلود ، وأعني بها شرفة البحر المتوسط .